ترتبط المعاكسات والنكات بالسياق الاجتماعي والذوق العام والواقع الاقتصادي والسياسي السائد، لتصبح تعبيراً بسيطاً عنه في كلمات موجزة تبدو ساخرة أحيانا وكوميدية وموجعة في أحيان أخرى.
ولم تعد كلمات المعاكسة رقيقة ورمانسية مثل “مساء الورد” أو “أحلى صباح” بل أصبحت معاكسة سياسية لطغيان الواقع السياسي في مصر الآن، والطابع المشترك في تلك اللغة أنها بلا سقف مستفيدة من مناخ الحرية باعتبارها أهم ركائز ثورة يناير الى جانب الكرامة والعدالة الاجتماعية.
وتنتشر في مصر الآن عبر صفحات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر والمدونات الشخصية لغة جديدة لمعاكسة الفتيات تستلهم كلماتها من أحداث وتفاعلات ثورة يناير، مثل التحرير والمولوتوف وطرة والفترة الانتقالية وحظر التجول والأجندة ومصطفى محمود والشعب يريد، وهي عكس اللغة التي كانت تستخدم في معاكسة الفتيات في الماضي.
مدلول سياسي
ومن أشهر كلمات الغزل التي يستخدمها الشباب لمعاكسة الفتيات حاليا “أنا مش بتاع فترات انتقالية.. أنا بتاع استقرار يا جميل”، تعبيرا عن شكوى البعض من طول الفترة الانتقالية ومطالبة العسكر بتسليم الحكم للمدنيين، و”عاوزين نعتمد على نفسنا ونبني بيتنا بيت بيت زنقة زنقة”، سخرية من كلمات القذافي قبل مقتله، و” الحب الحب.. مولوتوف مولوتوف”، بعد انتشار المولوتوف في أحداث مجلس الوزراء وحرق المجمع العلمي، و”أموت في الشفافيه” سخرية من الفساد الذي مارسه النظام السابق والمطالبة بتطبيق قواعد الشفافية بعد الثورة، و”واحشني.. وحظر التجوال حايشني” سخرية من حظر التجول.
وتعليقا على اتهام بعض المنظمات بالعمالة للخارج لخدمة أجندة غير وطنية استخدم الشباب كلمة “خدي الأجنده ونسمي بنتنا شاهنده”، وسخرية من التظاهرات في التحرير مصطفى محمود في وقت واحد وجدنا “الجميل تحرير ولا رد الجميل” و” تحرير ولا مصطفى محمود يا قطة”.
الشعب يريد.. والحوار الوطني
وتتوالى كلمات المعاكسة ذات المدلول السياسي مثل “الشعب يريد رقم تليفونك” تعليقا على شعار الثورة الشعب يريد إسقاط النظام، و”احنا آسفين يا مزه”، من احنا اسفين ياريس، و”تيجي نلعب أمن دولة ومواطنة اتقفشت بتوزع منشورات” من أمن الدولة المنحل والمنشورات، و”مفيش عنصر هيقدر يندس ما بيننا” كناية عن العنصر الأجنبي، و”بحبك حب شفيق للبلوفر” سخرية من بلوفر أحمد شفيق، و”وشرف رئيس الوزراء.. إنتي مـزه” المقصود عصام شرف رئيس الوزراء السابق.
و”عاوزك في حوار وطني” من الحوار الوطني، و”والحلو بقى حيّ ولا مطاطي؟ ” من الرصاص المطاطى، و”ده إنتي تقولي للريس قوم وأنا أقعد مطرحك” سخرية من الرئيس السابق المسجَّى على سرير داخل قاعة المحكمة، و”نفسي ايدي وايد ابوكي تبقي ايد واحدة ” من الجيش والشعب ايد واحدة، و”أموت في الانفلات الأمني” و”يا انسه يا انسه أنا مش بعاكس والله بس ممكن تديني رقمك القومي؟”، و”أبويا معتقل وأمي في التحرير والبيت فاضي”.
الحظر وصفوت الشريف
أيضا من كلمات المعاكسة الجديدة “الجميل من هنا ولا مرتزقه؟”، و”يا ترى الجميل عنده ملف” من الملفات الأمنية، و”ياما نفسي نكون قريبين من بعض زي الهلال والصليب “الهلال والصليب شعار الوحدة الوطنية، و”ما تفكي الحظر شوية” من حظر التجول الذى طبق بعد الثورة لضبط الانفلات الأمني بعد هروب المساجين.
و”ﻃﻮﻝ ﻣﺎ ﺍﻧﺘي ﻻﺑﺴﻪ ﻟﺒﺲ ﺍﻟﺸﺘﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻴﻒ ﻋﻤﺮﻧﺎ ﻣﺎحنحاكم ﺻﻔﻮﺕ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ” صفوت الشريف المسجون حاليا في طرة على ذمة عدة قضايا، و”جمالك زي المطاط ضيعلي عنية” من إطلاق الرصاص على عيون المتظاهرين في أحداث محمد محمود، و”هو احنا حنقضيها أخلاق ميدان ولا إيه؟” من أخلاق ميدان التحرير أيام الثورة حيث كان الثوار مثالا في الضبط والنظام.
الفتيات يعاكسن أيضا
والجديد في المعاكسات أيضا، ليس اللغة والمصطلحات الجديدة فقط، بل تحول الظاهرة الى النقيض أي معاكسة الفتيات للشباب، إذ تقول هدى عبد الغفار عبر أحد المنتديات على الإنترنت: في الأفلام القديمة الأبيض والأسود وفي حواديت أمهاتنا كانت المعاكسة نوعا من فن التعبير عن الإعجاب، أما الآن فهي نوع من السخرية على عباد الله، ووجدنا أنواعاً كثيرة منها معاكسات الشارع ومعاكسات المواصلات ومعاكسات التليفون ومعاكسات حتى على مستوى النت في الشات أو أي مكان ولو المدونات الشخصية.
وتضيف: ولو حدث هذا من الشباب للفتيات لكان الأمر عاديا نظرا لارتداء الفتاة زيا أو فستانا مستفزا، أو لأنها تمشي بطريقة ملفتة أو لأن جمالها مستفز، ولكن المثير أن البنات دخلن سباق معاكسة الشباب، أيضا وهو مالم أكن أتخيله، والغريب أن معاكسة الفتيات للشباب أصبحت تتم بطريقة محترفة ومدروسة مما يؤكد صدق الآية الكريمة “إن كيدهن عظيم”.
تبدل الأحوال
وتذكر عبدالغفار: كنت في سيارة ميكروباص، وأمامي شابان يتكلمان عن إحدى اللوحات الفنية وبجواري فتاتان، وبعد فترة ضحكت الفتاتان ضحكا مريبا، ثم أشارت إحداهما للأخرى بأصابعها مثل المخرجين: “تلاتة اتنين واحد”، ثم قامت الأولى وخبطت يدها في كتف شاب وقالت له: “إيه سورى معلشي”، ولم يرد عليها، فقالت له: “الحق اللي وقع منك” ثم سرعان ما حدث التعارف بين الشباب والفتيات.
وتختم: سألت نفسي “لماذا انقلبت أحوال الكون؟ هذه الحركات والتصرفات كان يقوم بها الشباب في البنات وليس العكس، رحم الله الحياء والكسوف، واللهم اهدي شباب وبنات المسلمين ونور عقلهم بالعلم وقلبهم بالإيمان”.