سوريا وتغيير قواعد اللعبة – بقلم عبد الباري عطوان
من المفترض ان يلتقي وزراء الخارجية العرب نظيرهم الروسي سيرجي لافروف في القاهرة اليوم لبحث الاوضاع في سورية، ومحاولة تغيير موقف بلاده الداعم للنظام الحاكم في دمشق ومنع اصدار اي قرار في مجلس الامن الدولي لفرض عقوبات او المطالبة بتنحي الرئيس بشار الاسد.
لقاء وزراء الخارجية العرب مع المستر لافروف يتزامن مع زيارة يقوم بها المبعوث الدولي كوفي عنان الى العاصمة السورية في اطار مهمته للتوصل الى حل سلمي للازمة السورية عبر الحوار بين المعارضة والنظام.
آراء المعارضة اختلفت بين مؤيد ومعارض للتسوية السياسية في سورية، وسط اتهامات مؤسفة بالتخوين، ومطالبات متصاعدة بالتدخل الدولي من قبل بعض الاطراف، وهي مطالبات لا تلقى حماسا من قبل الولايات المتحدة والدول الغربية الاخرى لاختلاف الوضعين السوري والليبي.
الذين يطالبون بالتدخل الخارجي ينسون ان الدول الغربية غير مستعدة للتضحية بابنائها، والدخول في مغامرة عسكرية يمكن ان تكون عالية التكلفة في وقت تواجه فيه الاقتصاديات الغربية حالة من الافلاس المالي. فسورية لا توجد فيها احتياطات نفطية هائلة مثلما هو الحال في كل من العراق وليبيا.
النظام السوري يستغل هذا ‘البرود’ الدولي تجاه التدخل العسكري في مقابل دعم روسي لا محدود له، من اجل تكثيف هجماته على المنتفضين المطالبين بالتغيير الديمقراطي المشروع، والتأسيس لسورية جديدة تقوم على العدالة والمساواة واحترام حقوق الانسان.
المرصد السوري لحقوق الانسان تحدث بالامس عن سقوط ستين قتيلا برصاص قوات الامن والجيش السوري في اماكن متعددة من البلاد، وسط مؤشرات على ان النظام يريد انهاء الانتفاضة باستخدام اعلى درجات القتل وفي فترة زمنية محدودة، ولكن محاولاته هذه لم تحقق له ما اراد. فمن الواضح ان الشعب السوري مستمر في انتفاضته، ومستعد لتقديم المزيد من التضحيات حتى تتحقق جميع مطالبه المشروعة.
اصرار كوفي عنان على الحوار والحل السياسي يعكس رغبة عربية غربية متنامية، مثلما يعكس قناعة تتبلور بان الاوضاع في سورية وصلت الى طريق مسدود، فلا النظام قادر على هزيمة المعارضة الشعبية ووضع حد للاحتجاجات عبر الحلول الامنية الدموية، ولا المعارضة قادرة على اطاحة النظام الذي يتمتع بقدرة على الصمود مدعوما بآلة عسكرية وامنية جبارة، ولهذا فان اصرار المبعوث الدولي على الحل السياسي هو نتيجة قناعة بان هذا هو الطريق الافضل في الوقت الراهن على الاقل لحقن الدماء في سورية.
لقاء وزراء الخارجية العرب بالوزير الروسي لافروف في القاهرة هو اعتراف صريح بخطأ استراتيجي ارتكبوه عندما تجاهلوا روسيا والصين كليا في اطار تعاطيهم مع الازمة السورية، ومساعيهم لتدويلهان ووضعهم لجميع بيضهم في سلة الولايات المتحدة والغرب، ولعل لقاء اليوم هو محاولة لتصحيح هذا الخطأ، او تقليص اضراره.
الحجة التي سيستخدمها وزراء الخارجية العرب في محاولتهم لتغيير الموقف الروسي تقول انه ليس في مصلحة موسكو التضحية باحدى وعشرين دولة عربية مقابل الاصطفاف او كسب دولة واحدة هي سورية يعمل نظامها على قمع شعبه ومصادرة حرياته.
الوزير الروسي في المقابل سيجادل بان محاولات بعض الدول العربية مثل المملكة العربية السعودية وقطر تسليح المعارضة السورية هي تدخل في الشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة ومحاولة قلب نظام حكمه حتى لو كان تحت عنوان حماية الشعب السوري من اعمال القتل التي يتعرض لها يوميا على يد النظام. لا نعرف لمن ستكون الغلبة في النهاية، ولكن ما نعرفه ان ادارة الجامعة العربية للازمة السورية لم تكن على درجة عالية من الكفاءة منذ اللحظة الاولى، ولن يكون غريبا اذا ما رفضت موسكو المغريات والضغوط العربية معا وتمسكت بحليفها السوري لان ثقتها بالعرب وحلفائهم الامريكان محدودة ان لم تكن معدومة، بعد ان خدعها الطرفان وصادرا مصالحها في كل من ليبيا والعراق عبر اطاحة نظامين حليفين لها دون ان يأتي البديل ديمقراطيا.
ما يجب ان يدركه وزراء الخارجية العرب انهم خسروا روسيا والصين دون ان يكسبوا امريكا والغرب كليا، لان هذه الدول تنطلق من مصالح وليس من عواطف او مبادئ، وعندما تختار الامم المتحدة كوفي عنان كمبعوث الى سورية، ويصر الرجل على الحل السياسي، فان على العرب ان يدركوا ان قواعد اللعبة تغيرت، فكوفي عنان هو رجل امريكا، ويعكس وجهة نظرها، واختياره لم يكن صدفة في جميع الاحوال.