من حق اي دولة ان تمنع من تشاء من دخول اراضيها اذا كانت تملك الاسباب المقنعة والقانونية التي تبرر مثل هذه الخطوة، اما اذا كان هذا المنع ينطلق من اسباب عنصرية، او بسبب سوء فهم، او في اطار حالة ‘الاسلاموفوبيا’ او العداء للاسلام فانه منع سياسي بالدرجة الاولى يتنافى مع كل قيم الحريات التي تتباهى بها الدول الاوروبية وتفتخر.
الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي اعلن انه اتصل بالحكومة القطرية وابلغها ان الدكتور يوسف القرضاوي شخص غير مرغوب فيه في فرنسا، واذا وصل الى مطاراتها فانه سيعاد على الطائرة نفسها التي اقلته من العاصمة القطرية الدوحة.
اتصال الرئيس الفرنسي بالسلطات القطرية مفهوم، لان الدكتور القرضاوي يحمل جوازا دبلوماسيا قطريا يعفيه من التقدم الى السفارة الفرنسية للحصول على تأشيرة دخول، ولهذا كان هذا الاتصال ضروريا منعا لحدوث ‘ازمة ما’ بين البلدين.
الدكتور القرضاوي كان مدعوا للمشاركة في مؤتمر اسلامي في العاصمة الفرنسية باريس الى جانب العديد من العلماء الآخرين، وقرار منعه هذا جاء مستغربا خاصة ان اتحاد علماء المسلمين الذي يرأسه ادان ‘العملية الارهابية’ التي ارتكبها محمد مراح الشاب الفرنسي من اصل جزائري وادت الى قتل سبعة اشخاص من بينهم ثلاثة جنود فرنسيين اثنان منهم مسلمان، وثلاثة اطفال يهود وحاخام.
والاكثر من ذلك ان الدكتور القرضاوي وافكاره ومواقفه تكاد تتطابق مع موقف ساركوزي في الملفين الليبي والسوري على وجه الخصوص، فقد اصدر فتوى بقتل العقيد معمر القذافي لظلمه وفساد نظامه، وايد ثورة الشعب السوري لاطاحة نظام الرئيس بشار الاسد، بل ودخل في ازمة كبيرة مع دولة الامارات العربية المتحدة احرجت مضيفيه القطريين عندما هاجم قرار حكومتها بابعاد مجموعة من السوريين المعارضين تظاهروا امام السفارة السورية في ابو ظبي دون اذن رسمي.
اللافت ان الرئيس ساركوزي وليس وزير داخليته هو الذي تصدى لمنع الدكتور القرضاوي من دخول فرنسا، الامر الذي يدفعنا الى الاعتقاد بانه اقدم على هذه الخطوة لاسباب انتخابية صرفة ومن اجل كسب اصوات الناخبين اليمينيين المعادين للعرب والمسلمين من منطلقات عنصرية صرفة.
من المعروف ان الجالية اليهودية في فرنسا التي يسايرها الرئيس الفرنسي لا تريد مثل هذه الزيارة، وتكن عداء شديدا للدكتور القرضاوي لانه اصدر فتوى بتأييد العمليات الاستشهادية التي ينفذها فلسطينيون في الاراضي المحتلة ضد اهداف اسرائيلية. فالجالية اليهودية في بريطانيا فعلت الشيء نفسه، وللسبب نفسه، وضغطت على الحكومة البريطانية لمنع الدكتور القرضاوي من دخول الاراضي البريطانية، مثلما حاولت منع الشيخ رائد صلاح احد ابرز القيادات الاسلامية في المناطق المحتلة عام 1948 لانه يتصدى للحفريات الاسرائيلية تحت المسجد الاقصى وعمليات الاستيطان غير الشرعية في منطقة القدس وباقي المناطق المحتلة.
الرئيس ساركوزي بمثل هذه المواقف ربما يرضي اعضاء الجالية اليهودية الفرنسية وبعض الجماعات اليمينية المتطرفة، ولكنه قطعا يشوه صورة فرنسا كدولة تحترم الحريات وقيم العدالة، والتعددية الثقافية والدينية، خاصة ان الدكتور القرضاوي كان من اول المدينين للافكار الاسلامية المتشددة والمنظمات التي تعتنقها، ومعروفا بوسطيته في تعاطيه مع القضايا الاسلامية.
نختلف مع الدكتور القرضاوي في بعض مواقفه السياسية خاصة تلك التي تبناها في الفترة الاخيرة، ولكننا نعارض منعه او اي عالم آخر، من دخول فرنسا او اي دولة اوروبية او امريكية اخرى لانه عالم دين مسلم فقط.