لماذا التصعيد الإسرائيلي الآن ؟ – بقلم : راسم عبيدات
بعد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى أمريكا مؤخراً والتقاءه بالرئيس الأمريكي أوباما الذي أكد بأن امن إسرائيل مقدس،والتركيز في المحادثات بينهما على الخطر النووي الإيراني، كان واضحاً بأن هناك ضوء أخضر أمريكي وشيك على بياض لإسرائيل للقيام بحروب عدوانية محلية تمهيداً للحرب القادمة على إيران،وفي هذا السياق والإطار أكدت القيادة الإسرائيلية أنها قد تجد نفسها مستقبلاً مضطرة إلى القتال على أكثر من جبهة .
وعدوانها المتصاعد والمتواصل على قطاع غزة جاء في هذا الإطار والسياق، فهي تريد أن ترسم سيناريوهاتها وردودها المستقبلية على ضوء نتائج ومخرجات هذا العدوان، فهي تريد توجيه رسالة للمقاومة الفلسطينية بأن المقاومة والمتغيرات في المحيط العربي، لن تمنع إسرائيل من العربدة والزعرنة، وأن هذا الخيار ليس بالطريق المؤدية الى تحقيق الأهداف والحقوق الفلسطينية، أي كي الوعي الفلسطيني بالنار، وهي تريد أن تقول للفلسطينيين بأن شيئاً لم تغير حتى بعد التغيرات العربية، وحلول الشتاء الإسلامي، وبالتحديد في مصر فالردود على العدوان لن تخرج عن إطار بيانات الشجب والاستنكار وخصوصاً أن الإخوان والسلفيين أكدوا أكثر من مرة في إطار اتفاقهم مع الأمريكيين بأن الإخوان يحترمون الاتفاقيات مع إسرائيل، ومن جهة أخرى هدف هذا العدوان إلى اختبار ردة فعل حماس، وخصوصاً أن قيادتها أعلنت بأنها لن تشارك في أي حرب الى جانب إيران اذا ما شنت إسرائيل حرباً عليها، وهنا كانت إسرائيل تريد توجيه رسالة مزدوجة لحماس بأن أية ردود منها على العملية العسكرية ستعني تصفية حكم حماس وجرها الى المجابهة العسكرية وفق الأجندة الأمنية والسياسية الإسرائيلية وبالتالي تدمير قدرات حماس العسكرية،وإذا ما التزمت عدم الرد فهذا مؤشر على ما سيكون عليه موقفها إذا ما أقدمت إسرائيل على ضرب إيران، والرسالة الأخرى أراد اليمين الإسرائيلي أن يوجهها إلى الداخل الإسرائيلي بأن المواجهة العسكرية قادمة لا محالة، وأن الحزب المرشح والقادر على فرض الأمر الواقع،هي الأحزاب اليمينية والمتطرفة،وبالتالي حتى يضمن اليمين بقاءه وسيطرته على مقاليد السلطة،فلا مجال إلى ذلك إلا عبر بوابة الدم الفلسطيني وتعظيم الأخطار المحدقة بدولة الاحتلال، وهو سيستغل العدوان والرد الصاروخي الفلسطيني عليها للقول، بأن الجنوب وحتى وسط دولة الاحتلال أصبحت تحت مرمى الصواريخ الفلسطينية، من أجل تبريره للخيار العسكري،فكيف عندما تمتلك إيران السلاح النووي؟،وخصوصاً أن القيادة الإسرائيلية أكدت بأن ضرب إيران وتدمير منشأتها النووية، وما سينتج عن ذلك من رد فعل إيراني بقصف إسرائيل بالصواريخ أفضل مليون مرة من امتلاك إيران للسلاح النووي وبالتالي تهديد وجود إسرائيل،ولذلك لا بد من حسم القضية من خلال الحرب والعدوان، وكذلك اليمين يريد أن يجد له مخرجاً من عمق الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي تشهدها إسرائيل نتيجة لسياسات تلك الحكومة اليمينية المتطرفة.
ومن هنا رأينا أن حماس ردة فعلها على العدوان لم تخرج عن الشجب والاستنكار وسعت الى تهدئة الأوضاع، وهذا مؤشر على التغيرات والتحولات التي بدأت تطرأ على مواقف حماس السياسية بعد تماهيها سياسياً مع الإخوان المسلمين والصفقة المعقودة مع الأمريكان، وتصريحات مشعل عن المقاومة الشعبية السلمية والتي كانت مرفوضة سابقاً والموقف من ما يحدث ويجري في سوريا، والرسالة التي وجهتها كادرات وقيادات حمساوية في دمشق لقيادة حماس بأنه يجري إخضاع حماس للقيادة القطرية والتضحية بهم على مذبح المصالح والمواقف المربكة والمتناقضة لقيادة حماس خير مؤشر ودليل على ذلك، يضاف إلى ذلك كله الشروط والاشتراطات التي تضعها حماس على اتفاق الدوحة.
ويجب التأكيد مرة أخرى بأن الدم الفلسطيني الذي يسيل بغزارة وتصاعد العدوان، لن يكون بمثابة الضوء الأحمر أمام طرفي الانقسام من أجل تغليب المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني فوق المصالح الخاصة والفئوية، فالانقسام يجري تعزيزه وتعميقه وشرعنته، وما يجري من الطرفين ليس سوى إدارة وإدامة الانقسام وليس العمل على إنهاءه، وما حدث أخيرا في انتخابات رابطة الصحفيين خير مؤشر ودليل حيث حماس رفضت المشاركة في الانتخابات ولم تخلي مقر النقابة ومنعت صحفيي القطاع من المشاركة فيها، حيث اقتصرت المشاركة على التصويت بالبريد الالكتروني وما شاب ذلك من طعونات واتهامات بالتزوير من قبل كتلة التحالف المهني الديمقراطي، وكذلك عدم التقدم على صعيد إغلاق ملف الاعتقال السياسي وتوحيد ودمج الأجهزة الأمنية، وسياسة الترقب والانتظار لما ستؤول اليه الأوضاع والمتغيرات عربيا وإقليميا يجعلنا نعتقد بأن مرحلة إنهاء الانقسام حظوظها تتضاءل وتتراجع لصالح مأسسته وإدامته.
إن ما تقوم به إسرائيل من عدوان غاشم على شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة هو بمثابة بروفات ورسم ووضع وبناء خطط وسيناريوهات بناءاً على ما ستؤول إليه هذه الحرب، وقياس ردة فعل قوى المقاومة الفلسطينية وما تملكه من إمكانيات وقدرات عسكرية، وكذلك وفي نظري هو الأهم،مدى وسقف حالة التضامن التي ستنشأ بين حماس وقوى الإخوان المسلمين في مصر، هل ستبقى في حدود وإطار التضامن العاطفي والوجداني؟ أم أن الأمور ستتجه إلى الفعل والعمل على الأرض؟ وكل المؤشرات تدلل بأن الشتاء الإسلامي، لن يكون أكثر من ظاهرة صوتية، بل سيكون مريحاً أكثر لإسرائيل وأمريكا،فإسرائيل اختبرت ذلك عبر الهجمات المتكررة على المسجد الأقصى وتصعيد الاستيطان وعمليات التطهير العرقي في القدس،والنتيجة هي هي نفس “الجعجعات “والخطب والشعارات، وحتى الاخونجية يخطبون ود أمريكا وإسرائيل عبر التصريحات والمقابلات بأنهم لن يقفوا إلى جانب لا سوريا ولا إيران ولا حزب الله، بل سيعملون على قطع العلاقات معها وحتى محاربتها تصريحات المعارضة السورية، وإعادة تاهيل وتطويع حماس تحت العباءة القطرية، والتهاء القوى الاخونجية بالفتاوي والتشريعات حول تشريع نكاح الجواري والتعدد في الزوجات والخضوع للموقف الأمريكي من خلال عقد ما يسمى بمؤتمر “أصدقاء” سوريا في تونس، وما يجري من تقسيم لليبيا، ودفعها نحو الاحتراب العشائري والقبلي والجهوي، في حين القضايا الكبرى مثل الأمن القومي والقطري، مجابهة الفقر والجهل والتخلف ومحاربة الفساد وإشاعة الحريات والديمقراطية والمواطنة الكاملة والنهوض بالاقتصاد، تتراجع الى المراتب الدنيا في اهتمامات تلك القوى التائهة والفاقدة للبوصلة والاتجاه.
نعم حتى اللحظة الراهنة فإن الفلسطينيون سيبقون وحدهم في المواجهة والمجابهة، تلك المجابهة والمواجهة غير المستندة الى رؤيا وإستراتيجية موحدة في ظل انقسام مستمر ومتواصل، وبما يجعلنا نقول بأن الاحتلال سيواصل ويصعد من عدوانه من أجل تقزيم توقعات شعبنا الفلسطيني،وكي وعيه بالنار،ودفعه لخانة اليأس والإحباط.