في ظلال ذكرى النكبة. بقلم: صادق الخضور
في ظلال ذكرى النكبة أو بالأحرى في ظل لهيبها اللافح بعد مرور 64 عاما، لا زلنا منذ أعوام وأعوام نعايش الطقوس ذاتها في التذكير بالذكرى دون تجديد في المنهجيات والآليات، مما يستوجب المراجعة والتقييم.
64 عاما بلهيبها، بنارها التي كوت الجميع وخلفّت حرقة لا زالت متواصلة، بحالة الصمت الدولي، بتغييب كل القوانين، وبغياب المؤسسات الدولية ، بكل ما سبق لا زالت التحديات جساما ولا زال المطلوب أكبر من مجرد إحياء الذكرى.
64 عاما … حتى الذاكرة شاخت وهرمت لكن الروح المتوقدّة باقية، وقصص التشريد وحكاياه تستحق أن يتم توثيقها، لأن العقود الستة علاوة على السنوات الأربع غيبّت كثيرين ممن كانوا شهود عيان على الحدث، وهو ما يعرّض جزءا كبيرا من المعلومة إلى الضياع، وبالتالي فإن المطلوب جهد نوعي يهتم بالتوثيق والرصد، وتعميم المشاهدات حتى وإن تباعدت السنون.
في ذكرى النكبة..نأمل أن تتبنى وزارة الثقافية وهيئاتنا الثقافية وما أكثرها، والمنظمات غير الحكومية جهدا ممنهجا على هذا الصعيد، وعدم وجود موازنات للنشاط الثقافي عذر أقبح من ذنب، فمنذ متى كانت الثقافة والمواقف الطليعية بحاجة إلى موازانات؟ المهم وجود حالة استنهاض لا حالة موات أو موت سريري، فقد كانت الجهود والأنشطة التي تعزز النكبة وحضورها، ومنهجيات التوثيق حاضرة حتى قبل قيام السلطة الوطنية الفلسطينية وقبل استحداث وزارات.
تأتي الذكرى، وهناك الكثير مما يمكن عمله، الكثير الكثير ولا يقام منه إلا النزر اليسير، وهذا يدفع للمطالبة بمراجعة الموقف برمتّه لأن النكبة وتوثيقها تتطلب مشاريع ثقافية وتأريخا على مستوى وطني، كما أن المؤسسة الإعلامية مطالبة بجهد موجّه بدلا من الانشغال في تقارير مكرورة وغير هادفة في بعض الحالات.
في السياق ذاته، نتساءل عن غياب دور الأكاديميين؟ ولعل المانع خيرا، فجامعاتنا تزخر بأكاديميين وباحثين مطلوب منهم تخصيص جزء من جهودهم لما يرفد الجهود الهادفة إلى توثيق النكبة وتحليل أبعاد ما ترتب عليها، وبدلا من دخول جامعاتنا زحمة التنافس على تحقيق متقدمة بين جامعات العام أو بموازاة ذلك مطلوب منها تقديم برامج موظفة في هذا السياق وأعني به سياق التوظيف الممنهج للتجربة.
النكبة تتواصل، وكلما مرّ عام زادت التحديات وبات المطلوب أكبر، وكل ما نأمله ألا تكون فعاليات إحياء ذكراها من باب رفع العتب، ونأمل ونأمل، فقد طالت النكبة والتغريبة التي شاخت أدمت قلوبنا، والسنون التي توالت طوت معها مراحل تغيرت فيها ملامح الأمكنة، ويبقى الرهان على الإنسان الفلسطيني .
ذكرى جديدة.. وبداية لسنة جديدة من سنوات توالت فألقت بظلالها على محيّا النكبة التي لا يوجد أكثر من اسمها وصفا مناسبا للتعبير عن مدى ما ألحقته بالوطن من ويلات.
النكبة ..سنوات تتوالى وضياع متواصل وحالة لا متناهية من الخمول، ويبقى لنا أن نطالب بأن تكون هناك مراجعة جادّة لكل ما سبق، ورفد الفعاليات والجهود بطابع من النشاط الشمولي والنوعي، وبما يعزّز روح الحرص على أن يكون هناك ضمانة بأن تباعد السنون لن يفتّ من عضد الإرادة.
في المخيمات وفي كل المدن والقرى والتجمعات خارج الوطن وداخله، لا زالت الآلاف المؤلفّة تعيش ويلات الحدث وتبعاته، ولا زالت المؤسسة الرسمية والحالة الإبداعية تعيش مرحلة ضبابية تشهد تراجعا في نوعيّة الجهد، فالكم هنا لا يشكّل بديلا عن الكيف.
الذكرى تطلّ علينا من جديد، ومن جديد نجد أنفسنا مطالبين بتشكيل ائتلاف من الجهود المطلوب استحضارها قبل اكتشاف أن مرور السنوات سيحيل الحدث إلى مجرد ذكرى.