رسامو الكاريكاتير في الصحف الفرنسية كانوا يصورون ساركوزي كثعلب وفرانسوا هولاند غريمه الاشتراكي كسلحفاة، ويبدو ان الرأي العام الفرنسي، بل الرأي العام الاوروبي عموماً قد بدأ يشعر بالملل والاحباط من الثعالب، ويميل الى السلاحف السياسية، وهذا ما يفسر سقوط توني بلير (بريطانيا) وبرليسكوني (ايطاليا) ونيكولا ساركوزي (فرنسا).
هولاند سيكون اول زعيم اشتراكي في دولة اوروبية كبرى ينضم الى نادي الاحزاب اليمينية الحاكمة في اوروبا، بعد فوزه الكبير في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة الفرنسية التي اختتمت السبت.
اسباب كثيرة ادت الى سقوط ساركوزي وصعود هولاند، ابرزها محاولة الاول، اي ساركوزي، تغيير الهوية السياسية لفرنسا، والحاقها بالولايات المتحدة وسياساتها في العالم، وهي التي ظلت دائما تحافظ على مسافة من هذه القوة العظمى، وتتجنب خوض حروبها في العالم الثالث.
اهم قضيتين تمحورت حولهما الانتخابات الرئاسية الفرنسية هما الاقتصاد والمهاجرون الاجانب، وكان هناك تباين في مواقف الرجلين المتنافسين حولهما.
ساركوزي تبنى اطروحات اليمين المتطرف وحاول اللعب على ورقة المهاجرين وبطريقة عنصرية عندما قال ان هناك اجانب اكثر من اللازم في فرنسا وتوعد بسياسات مشددة للحد منهم، ونسي انه واحد منهم جاءت اسرته الى باريس بعد الحرب العالمية الثانية من هنغاريا، بينما وعد هولاند بإضفاء الشرعية على اكثر من ربع مليون مهاجر غير شرعي، معظمهم من دول الاتحاد المغاربي.
هولاند اتبع سياسات اكثر انسانية في التعاطي مع قضية البطالة، والآثار الاجتماعية الكارثية لسياسات التقشف وتخفيض الانفاق العام التي اتبعها ساركوزي طوال فترة حكمه، واكد طوال حملته الانتخابية بان التقشف وحده لا يكفي ولا بد من تشجيع النمو لخلق وظائف للعاطلين، ووعد بمحاولة اقناع انجيلا ميركل مستشارة المانيا بتغيير توجهاتها التقشفية وزيادة الانفاق العام مع الحفاظ على بعض الاجراءات الاقتصادية الضرورية جدا.
مهمة رئيس فرنسا الجديد لن تكون سهلة على الاطلاق، فالازمة الاقتصادية طاحنة في فرنسا ومعدلات البطالة في الاتحاد الاوروبي الذي تنتمي اليه فرنسا تزحف فوق حاجز العشرة في المائة النفسي.
ولكن مهمة خصمه ساركوزي خارج السلطة ستكون الاكثر صعوبة، لان معارك كثيرة ستكون في انتظاره، وتنغص عليه حياته، ابرزها المعركة القانونية التي سيخوضها ضد موقع اليكتروني فرنسي نشر وثيقة حول تورط النظام الليبي الديكتاتوري السابق في تمويل حملته الانتخابية عام 2006، وهي تهم نفاها ساركوزي بشدة واعتبرها سخيفة مثلما نفى صحة الوثيقة موقعها السيد موسى كوسا رئيس الاستخبارات الليبي السابق والمستشار مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي.
فرنسا تقف الآن على اعتاب مرحلة جديدة وليس رئاسة جديدة فقط، ومع اعترافنا بتقارب مواقف المرشحين الرئيسيين في انتخابات الرئاسة، الا ان احوال اكثر من اربعة ملايين فرنسي من اصل مغاربي ستكون افضل حالا، او على الاقل لن تزداد سوءاً.