الرابحون و الخاسرون من اتفاق نتنياهو- موفاز
لم يتوقع احد في اسرائيل ما حدث من اتفاق بين نتنياهو و موفاز، خاصة في الوقت الذي كانت تناقش فيه الكنيست الاسرائيلي حل نفسها و الذهاب الى انتخابات مبكره. لم يكن احد يتوقع ان موفاز الذي لم يمضي على انتخابه كرئيس لحزب كاديما و فيما بعد زعيما للمعارضه و الذي اقسم باغلظ الايمان ان يسقط حكومة نتنياهو الذي وصفه بالكذاب ان يلتحق بها و بثمن سياسي و حزبي بخس. لم يكن متوقعا في نفس الوقت ان تتوفر فرصه كهذه لنتنياهو ان يعزز حكومته بشكل مجاني تقريبا لتصبح مرتكزه على اكثر من ثلاثة ارباع الكنيست.
هناك جدل واسع في اسرائيل حول فهم ما جرى خلال الساعات الاخيره. هناك من يعتقد ان هذا الامر بمثابة انجاز كبير لموفاز و لنتنياهو و لاسرائيل بشكل عام. و هناك من يعتقد ان ما حدث هو ادنى درجات الانحطاط السياسي على اعتبار ان ما دفع الاثنين من التوصل الى هذا الاتفاق ليس مصلحة الدولة بل المصلحة الشخصية و الحزبية الخاصة لكل طرف.
السؤال هو ما الذي جعل هذا الاتفاق ينجح و من هم الرابحون و الخاسرون من هذه الخطوه؟
سببان جعلا نتنياهو يوافق على انضمام كاديما و موفاز لحكومته، و هو يعتبر الرابح الاكبر من هذه الصفقة. السبب الاول ان نتنياهو سيتحرر من ضغط اليمين المتطرف في حكومته سواء الناتج عن تهديد ليبرمان او بعض وزراء الليكود او حتى حزب شاس في كل ما يتعلق بقضايا الدين و الدوله و القضايا ذات البعد السايسي، و بالتالي احد الاسباب الرئيسية التي قرر نتنياهو الذهاب الى انتخابات مبكره بسببها قد زال. و السبب الاخر و ان كان نتنياهو ينفي اية علاقه له في الموضوع هو ما حصل معه في مركز حزب الليكود حيث فشل في تكليف نفسه كرئيس للمؤتمر و بالتالي التمتع بصلاحيات واسعه بتشكيل قائمة الحزب للانتخابات المقبله. نتنياهو واجه معارضه شديده لهذا المحاولة بعد ان اصر اعضاء المؤتمر اجراء تصويت سري لانتخاب الرئيس.
موفاز من الناحية الاخرى، و رغم حديثة الكثير عن الرغبه في تقديم موعد الانتخابات الا ان استطلاعات الرأي التي تشير بشكل واضح الى تراجع كبير في شعبية الحزب يعتبر ان الذهاب الى الانتخابات في المرحلة الحالية هو انتحار سياسي، انضمام كاديما الى الحكومة و بالتالي تأجيل موعد الانتخابات الى موعدها الرسمي و هو اكتوبر 2013 يعطيه مساحه من الوقت لاثبات ذاته كزعيم سياسي و في نفس الوقت يعطيه المجال لترتيب اوضاع حزبه. هذه الخطوه قد تكون قاتله لموفاز اذا لم يستطع تحقيق ما اتفق بشأنه مع نتنياهو ، خاصة تغيير الوضع القائم فيما يتعلق بخدمة المتدينين في الجيش و تغيير نظام الحكم في اسرائيل و ابداء مرونه سياسية في كل ما يتعلق بالموضوع الفلسطيني.
هذا الاتفاق ينعكس بشكل مباشر على مستقبل العديد من الاطراف في اسرائيل ، هناك من ربح و هناك من خسر . الرابحون من هذا الاتفاق اضافة الى نتنياهو و موفاز هم:
الرابح الاول هو باراك حيث يعتبر من احد المستفيدين، على الاقل في المدى القصير و المتوسط، و ليس من المستغرب ان يكون احد الطباخين لهذه الخطوه. تأجيل موعد الانتخابات في اسرائيل يعطي باراك وقت اضافي للبقاء وزيرا للدفاع، و ذلك لان كل الاستطلاعات لا تعطيه اي فرصه لتجاوز نسبة الحسم. على المدى البعيد نتنياهو لم يعد بحاجه له طالما لديه موفاز و معه ثمانية و عشرين عضو كنيست و يتمتع بنفس المواصفات الامنيه التي يتمتع بها باراك.
الرابح الثاني هو ايلي يشاي زعيم حزب شاس، حيث تأجيل موعد الانتخابات يبعد عنه شبح اريه درعي الذي سيعود الى الحلبه السياسية سواء من خلال المنافسه على زعامة شاس او تشكيل حزب موازي غالبية جمهوره سيكونون من مؤيدي شاس. تأجيل موعد الانتخابات يريحه. و لكن اذا ما تم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين موفاز و نتنياهو حول تغيير الوضع القائم فيما يتعلق بخدمة المتدينين في الجيش، بلا شك الامور ستتغير في غير صالحهم.
اما الخاسر الاول من هذه الخطوه فهو ليبرمان و اسرائيل بيتنا . بعد انضمام موفاز و كاديما لحكومة نتنياهو ، من الناحية العمليه تم خلع انياب ليبرمان الذي كان يهدد من خلالها نتنياهو صباح مساء بالانسحاب من الحكومة و بالتالي تفكيكها.
الخاسر الثاني هو اليمين المتطرف في حكومة نتنياهو و حزب الليكود،و خاصة بوجي يعلون و سلفان شالوم. ليس لان نتنياهو معتدل او حمامة سلام، بل لانه كان بحاجه الى بعض المرونه السياسية التي تجنبه الصدام الذي لا داعي له مع الولايات المتحدة و المجتمع الدولي.
الخاسر الثالث من هذه الخطوه، و ان كان بشكل هامشي، هم المستوطنون، ليس لان نتنياهو ضد الاستيطان، بل لان المستوطنين يبالغون في سلوكهم و استغوالهم بحيث يشكل له الكثير من الاحراج، و يشوشون على برامجه الاستيطانيه في القدس و الكتل الكبرى. هذه الخطوه تريحه قليلا من ابتزازهم و تضعف من قوتهم .
الخاسر الرابع هو يئير لفيد و حزبه الجديد “هناك مستقبل” التي تعطيه الاستطلاعات ما يزيد عن عشرة مقاعد في الانتخابات القادمه، غالبيتها على حساب كاديما. تأجيل موعد الانتخابات سيجعله على قائمة الانتظار حتى نهاية العام المقبل.
الخاسر الخامس هو حزب العمل ، حيث يعتبر من اكثر المستفيدين من تقديم موعد الانتخابات لتعويض ما خسره نتيجة خروج باراك ، حيث من المتوقع أن يحصل على ما يقارب الثمانية عشر مقعدا في الانتخابات القادمه.
و السؤال الذي لا بد منه، وهو هل لهذه الخطوه انعكاسات على الوضع الفلسطيني؟ هل سيؤدي ذلك الى احداث تغيير جوهري في الموقف الاسرائيلي من المفاوضات او ما يعرف بعملية السلام؟
موفاز طرح مشروع سياسي مبني على حل الصراع على مرحلتين، الاولى اقامة دولة فلسطينية على ما يقارب الستين بالمئة من اراضي الضفة، و الاتفاق على قضايا الحل الدائم في مده محدده ومتفق عليها. هذا المشروع غير مقبول حتى اللحظه على نتنياهو، و لكن الاخير بحاجه الى بعض المرونه السياسية و ان كان بشكل هامشي. باختصار ليس من المتوقع ان يكون هناك تغيير جوهري في الموقف السياسي الاسرائيلي ، على الاقل الى ما بعد الانتخابات الامريكية.
و من المشكوك به ان تكون لهذه الخطوه اي علاقة ايضا بالموضوع الايراني حيث يعتبر موفاز من المعارضين للهجوم على ايران، على العكس من ذلك ،هذا الامر قد يضعف من موقف نتنياهو و باراك.
بقلم: د. سفيان ابو زايدة