الشعب السعودي يتابع الوضع في سورية عن كثب، البعض يقف الى جانب الانتفاضة التي تريد الاطاحة بالنظام لاسباب عديدة ومنها يعود الى مناهضة الديكتاتورية ومصادرة الحريات واهانة النظام للشعب السوري على مدى اربعين عاما حسب قناعتهم، والبعض الثاني يريد وقف اعمال القتل وسفك الدماء، والبعض الثالث ينطلق من منطلقات طائفية صرفة.
الاعلام السعودي، وقناة ‘العربية’ على وجه الخصوص يتبنى بالكامل المعارضة السورية ضد النظام، ويطالب بالتدخل الاجنبي على غرار ما حدث في ليبيا كمخرج وحيد من الازمة وحماية الشعب السوري من اعمال القتل التي يتهم النظام بممارستها.
هذا الموقف متوقع ويعكس سياسة سعودية رسمية، فالامير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي خرج على تقاليد المملكة في التريث والتفكير بعمق قبل اتخاذ اي مواقف تجاه قضايا عربية ساخنة او باردة عندما غادر غاضبا من اجتماع لوزراء الخارجية العرب في تونس قبل بضعة اشهر داعيا الى تسليح المعارضة السورية كطريق وحيد لحماية المدنيين.
مجموعة من العلماء الاسلاميين البارزين في المملكة شكلوا لجنة لجمع التبرعات من الشعب لمساعدة الانتفاضة السورية وتأكيد مساندتهم لها بالتالي، وحددوا مسجدا كمركز لتلقي هذه التبرعات، وكان من بينهم اسماء مشهورة مثل الدكاترة علي الربيعي، وسلمان العودة، وناصر بن يحيى الحنيني، وعبد العزيز الطريف، وعلي عمر بادحدح واخيرا الدكتور محمد العريفي الذي بادر باطلاق هذه الدعوة على موقعه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر).
جهاز الامن الداخلي السعودي ‘المباحث’ استدعى هؤلاء الشيوخ جميعا وطلب منهم ليس فقط التوقف عن جمع التبرعات، وانما ايضا توقيع تعهد مكتوب بعدم الاقدام على هذه الخطوة مستقبلا، وقد اعلنوا جميعا الالتزام بهذا التعهد على حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
هذا الموقف يبدو متناقضا مع الموقف الرسمي الذي تتبناه السلطات السعودية تجاه الانتفاضة في سورية، فكيف تقدم السعودية المال والسلاح للمعارضة والجيش السوري الحر، وتؤيد التدخل العسكري الاجنبي، وتعارض في الوقت نفسه السماح لبعض مواطنيها بالتبرع بالمال لهذه الانتفاضة على غرار ما حدث للمجاهدين الافغان في الثمانينات ولثوار البوسنة في التسعينات والامثلة كثيرة؟
هناك عدة تفسيرات شبه رسمية اولها ان السلطات السعودية تخشى ان تذهب هذه الاموال الى جهات لا تريدها، وخصوصا تنظيم ‘القاعدة’، وثانيها الخوف من حدوث حالة من الفوضى المالية، وثالثها تحذيرات امريكية.
من المؤكد ان هؤلاء المشايخ الكبار الذين يحظون باحترام كبير في اوساط السعوديين اقدموا على هذه المبادرة انطلاقا من حسن النوايا والرغبة في مناصرة من يعتقدون انهم بحاجة الى النصرة، ولذلك سيتخذون كل الاحتياطات اللازمة لوصول المساعدات المالية الى الجهات المرسلة لها اساسا.
المشكلة تكمن في تردد السياسة السعودية الرسمية تجاه الازمة في سورية ويتضح ذلك في التراجع عن التصريحات حول تسليح المعارضة والقول بان القصد لم يكن اقدام المملكة على التسليح وانما الدعوة له، وكذلك عدم الرغبة في اتخاذ موقف يغضب امريكا التي تريد هي، اي امريكا ان تكون المشرفة على تنسيق ارسال الاموال والاسلحة الى المعارضة السورية.
هناك من يقول في جلساته الخاصة انه لو علمت السلطات السعودية ان النظام سيستمر في السلطة لاكثر من عام لترددت في دعم المعارضة السورية، فهي ليست حريصة على الديمقراطية في سورية او في اي مكان آخر في المنطقة، وان كانت تريد اسقاط النظام دون ادنى شك بسبب علاقته التحالفية اللصيقة مع ايران وحزب الله والحكم الحالي في العراق.