لست ادري هل افرح واصفق ام اغضب وانكفئ ! البشرى جاءت منقوصة، بل جاءت مغموسة بالنكد منذ ظهورها. بعد جهد جهيد وشفاعة من اهل… تمكن اهل الخير من تجنيد مبلغ يقدر بـ 200 الف دولار لأقامة مركز فضاء في الطيبة، لا ادري من اين اتت فكرة مركز فضاء بالذات وليس مركزا لتربية الدواجن المهجنة مثلا.
يبدو ان ما كان ينقص الطيبة هو هذا المركز دون غيره وها هو حل بعظمته وبكل جبروته وحط رحاله في الطابق العلوي من مركز “بايس” في الطيبة (مركز بايس اصبح كمخيم للاجئين المشردين، يستقبل كل من ليس له مأوى)، واكتست جدرانه وسقفه بالصور التي تنقلك الى عالم الفضاء كي لا تخلط بعد اليوم بين كوكب المشتري وكوكب زحل.
وبينما كنا نستعد لافتتاح المركز، طلع علينا المسؤولون الرسميون في هذه البلاد بأنه قبل قص الشريط يجب على المركز ان يخضع اولا للتعميد (بالمسيحية التعميد يعني اطلاق الاسم على المولود الجديد في مراسم دينية في الكنيسة) وان الاسم الذي اختاره اهل المولود الجديد، أي الدولة، هو “ايلان رامون” – رائد الفضاء الاسرائيلي الاول والوحيد، لقي مصرعه في تحطم مكوك الفضاء “كولومبيا” في عام 2003.
هنا تجمدت الابتسامة على وجوهنا، هنا تذكرنا ان هذا المركز عبارة عن وجبة غداء علينا دفع ثمنها للسلطات وان الامر ليس تجنيد اموال ولا يحزنون، لأن تجنيد الاموال يعني جمعها كتبرعات دون مقابل، ولكن تبين ان الامر ليس هبة من السلطات لهذا البلد الشقي، وانما لبنة جديدة من الأسرلة لمناحي الحياة في الطيبة، هنا تعطلت المسيرة وتجمد المشروع الجاهز حتى الشريط والمقص ولائحة المدعويين. تجمد كل شيء على حاله، اطفأ الحارس الكواكب والنجوم في مركز الفضاء حتى اشعار آخر.
الصورة الآن تبدو كالأتي، السلطات الرسمية التي دفعت الاموال تعتبر نفسها صاحبة الحق في فرض الاسم الذي تريده، ولا تفهم حين يحاول البعض التذرع بالمشاعر الجريحة امام هذا الواقع.
تم ارجاء موعد الافتتاح الرسمي لمركز الفضاء في الطيبة، ونحن نعيش الآن حالة “فلت بفلت” التي كنا نعرفها من “طوشة” أي اثنين من الصبيان حين كان يمسك كل منهما بقميص الآخر دون ان يسدد الضربات له، ويردد الاثنان معا “فلت بفلت” – اترك قميصي لاترك قيمصك، أي كل ينتظر ان يتراجع الآخر عن موقفه.
لا ادري كيف فاحت في هذه اللحظة رائحة المزبلة وتسربت عبر نافذتي لتعود بي الى الواقع المجاني الذي نتلقاه من السلطات دون تعميد ودون قص شريط افتتاح ودون مدعويين، منة بلا مقابل تذكرنا ان هذا ما نستحقة مجانا… مزبلة تعطر ايامنا وليالينا بروائحها وتقتل الضعفاء منا بغازاتها السامة.
مركز الفضاء ام المزبلة… ايهما يصلح شعارا ورمزا لهذا البلد ؟ المزبلة منحونا اياها هبة لصمتنا وحسن سلوكنا ولا احد يطالبنا بأن نطلق عليها اسم شخصية اسرائيلية مرموقة (ترى أي اسم يمكننا ان نختار لها). رغم انها نتاج العناية الرسمية بالطيبة وباهاليها، تماما كما يحاول البعض تصوير مركز الفضاء،على انه نتاج العناية الرسمية بالطيبة وبأهاليها.
يا سادة يا كرام…كيف لنا ان نحاول التحليق في الفضاء واقدامنا مغروسة في مزبلة !!!
مع تحيات اخوكم ابو الزوز