تتكتم إسرائيل حتى اللحظة على العلاقات التجارية التي تقيمها مع العراق الذي يستخدم ميناء حيفا للاستيراد والتصدير، رغم ما كشفته وثائق ويكيليكس عن تأكيد رسمي بهذا الخصوص صدر عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال اجتماعه ببنجامين كاردين، ممثل الرئيس الأميركي عام 2009.
وتكتفي تل أبيب بالاعتراف بما أجازه وزير المواصلات يسرائيل كاتس من تصدير السيارات والشاحنات القديمة إلى العراق. وبموجب ما كشفته الوثائق فإن نتنياهو – خلال توليه منصب وزير المالية بإسرائيل – أجاز لكبار رجال الأعمال والمصدرين الإسرائيليين التعامل والاستثمار التجاري مع بغداد مباشرة، حيث شطب لهم فقط من القانون الإسرائيلي صفة “العدو” عن دولة العراق، ما مكنهم من تنشيط التبادل التجاري بمختلف الميادين والمجالات دون تعرضهم لأي مساءلة قضائية.
واعتمادا على ما تناقلته وسائل الإعلام الإسرائيلية، فان لتل أبيب علاقات تجارية حرة ومباشرة مع العراق تمر بشاحنات برا من الأردن ومن ثم إلى ميناء حيفا لكنها غير معلنة وما زالت طي الكتمان دون الكشف عن تفاصيلها وحجمها.
حيفا وبغداد
وتلعب العديد من الشركات الإسرائيلية دورا بالاستثمارات الاقتصادية الهادفة لإعادة إعمار العراق بتفويض من الاتحاد الأوروبي والوكالة الأميركية للتنمية الدولية، كما وتنشط هذه الشركات بشمالي العراق وإقليم كردستان بمجالات مختلفة منها الزراعة والبنى التحتية والشؤون الأمنية والعسكرية والكهرباء وتكنولوجيا الاتصالات.
وصرح رئيس بلدية حيفا يونا ياهف بأن العراق يستخدم ميناء حيفا لتجارته بهدف تصدير بضائعه واستيراد احتياجاته من أوروبا، ولفت ياهف إلى أن النشاط التجاري العراقي عبر ميناء حيفا يتم بالسر وبعيدا عن أضواء الصحافة والإعلام وذلك منذ فترة طويلة.
وربط ياهف بين ما توليه الحكومة الإسرائيلية من اهتمام لتدعيم مكانة ميناء حيفا ليكون حلقة وصل بين الشرق وأوروبا وبين ما شرعت بتنفيذه من مخططات للبنى التحتية وسكك الحديد التي ستربط بين حيفا والأردن، وتقدر التكاليف الأولية للمشاريع قرابة 300 مليون دولار ومن المتوقع إنجازها بنهاية عام 2015 وحلول عام 2016.
التجارة سرا
وستمد شبكة المواصلات وسكك الحديد من ميناء حيفا مرورا بمنطقة مرج ابن عامر شمال البلاد ومدينة بيت شآن (بيسان) باتجاه الأغوار ومعبر الشيخ حسين لتصل حتى مدينة إربد بالأردن، فيما تخطط السلطات الإسرائيلية لإقامة سكة حديد بالجنوب والنقب لربط ميناء أشدود بمدينة إيلات فيما طرحت تل أبيب على عمان إمكانية إيصال سكة الحديد إلى مدينة العقبة.
ويقول الخبير بالاقتصاد السياسي مطانس شحادة إن الدراسات الإسرائيلية – التي تعتمد على إحصائيات رسمية صادرة عن معهد التصدير- تشير إلى تضاعف حجم التبادل التجاري والعلاقات التجارية السرية بين تل أبيب وبعض الدول العربية وعلى رأسها العراق، ويتم ذلك عبر وسيط ثالث غالبا ما يكون أوروبيا.
غموض وبدائل
وتطرق في حديثه إلى الأسباب التي تدفع العراق لاستخدام الموانئ الإسرائيلية بتجارته بالقول: “ما من شك بأن خط المواصلات بغداد عمان حيفا أرخص من ناحية تكاليف الشحن والاستيراد والتصدير إلى أوروبا، كما أنه أقصر مسافة مقارنة مع المسار البحري بالخليج العربي، وبالتالي فإن إسرائيل ليست لديها إشكالية لتلعب هذا الدور وتكون ممرا لتجارة العراق أو أي دولة أخرى”.
وأضاف مطانس أن بغداد تخشى من عزلة تجارية أو أن تتحول لرهينة إثر الغموض الذي يكتنف مستقبل الملاحة بالخليج العربي بسبب تداعيات ملف البرنامج النووي الإيراني، ناهيك عن عدم الاستقرار الذي تشهده مصر وما قد يترك من ترسبات على مستقبل الملاحة بقناة السويس، إلى جانب توتر العلاقات بين بغداد وأنقرة الأمر الذي قد يحول دون مواصلة العراق استعمال البوابة التركية.
وبين أن إسرائيل – وفي ظل ما تشهدها المنطقة العربية من أحداث- تتطلع لتكون مركزا للمواصلات والتنقل بمنطقة الشرق الأوسط، وعليه فإنها تحرك مشاريع ضخمة للمواصلات وتطور شبكات الطرقات وسكك الحديد لتكون الموانئ بحيفا وتل أبيب وأشدود حلقة وصل بين الدول العربية وأوروبا، وبالتالي فالحالة العراقية بالنسبة لإسرائيل تمثل موطئ قدم للاختراق السياسي للعالم العربي ونسج شبكة علاقات تعتمد عليها بتعزيز مصالحها السياسية ونفوذها بالشرق الأوسط.
التقرير من اعداد: محمد وتد – جت المثلث