لا يراودني ادنى شك بأن هذه المشاهد التي سأوردها هنا لاحظها الكثيرون منا ولكن القليل منا توقف عندها وتساءل لماذا تحدث بهذه الطريقة !
المشهد الاول: كنت في زيارة اقرباء لي وكنت اضع النظارات الشمسية على عيني خشية وهج شمس النهار، وحين وصلت بيت اقربائي قابلني اطفالهم ببهجة بادية على وجوههم فلاعبتهم وداعبتهم وجلست امازحهم، واستجبت لطلب اصغرهم بأن اضع نظاراتي الشمسية على عينيه لينظر عبرها.
وما ان وضعت نظارتي على عيني الطفل حتى بدأ اخوته يوجهون له التحية: “شلوم … شلوم…”، فيرد عليهم الطفل “شلوم…. شلوم”.
المشهد الثاني: بينما كنت امر في احد شوارع حارتنا لاحظت تجمهر اطفال حول سيارة متوقفة على طرف الشارع وفيها كلب صغير ينبح بقلق. ولفت انتباهي ان كل طفل كان يردد بكل إصرار وبصوت مرتفع نحو الكلب قائلا: “بو … بو… ” مشيرا الى الكلب بالقدوم باتجاهه دون غيره.
بالتوقف عند هاتين الحالتين لا بد من استثناء الصدفة في تصرف الاطفال، لان تصرفهم ينم عن عفوية تمتد الى تربية مغروسة في ذهن كل منا منذ الصغر.
في الحالة الاولى يعتقد الاطفال ان من يستخدم النظارات الشمسية لا بد ان يكون اجنبيا، وقد تسرب الى ذهن وإدراك هؤلاء الأطفال الصغار ان النظارات ليست من تراثنا ولا من ثقافتنا وهي مرتبطة بغير العرب، ولذا فإنه بمجرد وضع النظارات على عينيه يبدأ التصرف على انه غير عربي فيحاول التحدث بمفردات عبرية.
وفي الحالة الثانية لفت انتباهي ان الاطفال حين يريدون للكلب ان يقترب منهم فإنهم يتحدثون اليه بالعبرية ليأتي ظنا منهم انه لا يفهم العربية لأنه تلقى تدريبه لدى الخواجة الناطق بالعبرية. أي انه من المستبعد ان يمتلك الانسان العربي كلبا ويعلمه الاستجابة لأوامر باللغة العربية.
لا بد لمثل هذين المشهدين الدفع بنا الى التوقف ولو لبرهة للتفكير بأسبابهما. هل هي التربية المقصودة ام هي التربية المكتسبة من مراقبة سلوك الكبار ام ملاحظات الصغار لما يدور من حولهم وتشكيل الادراك الذاتي لدى كل منهم بعيدا عن اي اعوجاج سببه الكبار!
انا شخصيا قد اجد التفسير الذي يرضيني لهاتين الحالتين، ولكن هل هذا يقنع الأخرين:
أولا: اعتدنا منذ الصغر على التباهي بالصحة، وان من يضع النظارات لا بد ان يكون من غير طينتنا، ولهذا ارتبطت النظارات بكون واضعها غريبا يجب التحدث اليه بمفردات غير عربية.
وفي الحالة الثانية اعتدنا منذ الصغر على النهي عن الاقتراب من الكلب لأنه نجس ولأنه قذر ولأنه مسعور ولأنه يعض ولأنه .. ولأنه… ولأنه. فكبرنا وصورة الكلب في ذهن كل منا ترتبط بكل هذه الصفات السلبية. في العادة، حين يرى الطفل في بلدنا كلبا في الشارع اول ما يتبادر الى ذهنه ان يحمل حجرا ويرشقه به درءاً للخطر واعتداء غير مبرر. ولكنه حين يلتقي كلبا نظيفا يقوده صاحبه بحزام خاص، فإنه وبدون تردد يبدأ بمخاطبته بمنتهى الأدب وبالعبرية.
هذه مجرد مشاهدة من يومياتنا اردت عرضها على القارئ لعلني اجد لها تفسيرا يقنعني اكثر من رواسب تراكمت في ذهني.
مع تحيات اختكم ام سامي