بقلم: بينة الملحم (السعودية) – منذ أن بدأت الأحداث في سورية وانعكاساتها على موازين القوى في لبنان واضحة. هناك انشقاقات حصلت وأبرزها انشقاق وليد جنبلاط المعروف بتحولاته تبعاً لميزان القوة وتبعاً للمصلحة التي يريدها لطائفته. لبنان بلد يعتمد على مصلحة الطائفة لا مصلحة الوطن. من هنا فإن الحدث السوري أثّر كثيراً على لبنان. وربما كان من أوضح تجليات الانعكاس ما نراه من مواقف هزيلة لحزب الله، الذي يصارع على البقاء. والتقارير تتحدث عن أن نصر الله جنّد ألفين من حزبه ووضعهم بأمر بشار الأسد. لأن قوة النظام السوري مهمة لحزب الله وسقوطه هو سقوط لذراع أو لسند كان يدعم الحزب بالمال والسلاح وبالمواقف السياسية. الغريب أن حزب الله يتفق الآن مع إسرائيل من ناحية الرؤية لمستقبل النظام السوري.
مواقف إسرائيل من النظام السوري متناقضة، بين من يريد إسقاطه ومن يدافع عنه، غير أن الرؤية الاستراتيجية لإسرائيل تعتبر بقاء الأسد ضمانة لسلامة الجولان. ولهذا انطلقت إسرائيل لتبني الجدار العازل في الجولان خوفاً من النظام السوري القادم الذي سيلي نظام الأسد. حزب الله وإسرائيل في خطٍ متفق، كلاهما لا يريدان زوال النظام السوري. حزب الله يعتبر وجود النظام السوري قوة له، وإسرائيل ترى في بقاء النظام السوري كل الأمن والأمان. بقيت إسرائيل بأمنٍ مطلق بفضل نظام الأسد، والجولان لم تنطلق منها رصاصة واحدة خلال العقود الماضية باتجاه إسرائيل. لهذا فأي نظام مقاوم هو نظام بشار الأسد؟! هل هو فعلاً مقاوم؟!
اتفاق حزب الله وإسرائيل على ضرورة بقاء النظام السوري يعني أن النظام السوري ليس كما يزعم بأنه نظام مقاومة وممانعة، بل هو نظام نفوذ في لبنان ونظام دعم ومنع للشر عن إسرائيل. حاول أمين عام حزب الله حسن نصر الله أن يتحدث في خطبه عن مقاومة النظام السوري، وإمداده له بالسلاح والمال والعتاد. حاول أن يجند كل الأتباع الذين يستمعونه لصالحه. بل وفي موقف استفزازي للثورة السورية وصف نصر الله القتلى في عملية مبنى الأمن العام بالشهداء. وبأنهم هم الذين ساندوه، وكانوا رفقاء سلاح له. إنه موقف استفزازي واضح لتثبيط همة الثوار والمجتمع السوري الذي اختار أن يغير النظام السوري الغاشم.
لبنان يمر بهذا التحول، قوة حزب الله تتضاءل، حتى مع امتلاكه للسلاح لا يمكنه أن يحتكر لبنان لصالحه هو فقط من دون شركائه في الوطن. المواقف اللبنانية الأخيرة توضح أن الرؤية العامة للسياسيين وللمجتمع تعرف أن النظام السوري ساقط لا محالة، وأن عملية مبنى الأمن العام النوعية كانت قاصمة الظهر للنظام السوري ولحلفائه في لبنان. ولا يمكن لحزب الله إلا أن يخضع في آخر المطاف للواقع الماثل أمامه.
أنكر حزب الله أي اعتداء من النظام السوري على المدنيين، وأخذ نفس المنطق السوري والروسي من أن هؤلاء مجموعة من الإرهابيين، بل ويأخذون على المملكة وقفتها الشجاعة مع الشعب السوي منذ أن بدأت الثورة. والموقف الاجتماعي السعودي الذي جمع تبرعات بالقنوات الرسمية للشعب السوري خير مثال على تفاني المجتمع، وهو التفاني الذي ضاق به ذرعاً حزب الله وأنصاره.
الثورة السورية تتصاعد والقوة للجيش الحر تزداد، والنظام السوري يستطيع فقط أن يقتل؛ أما أكثر من ذلك فليس لديه أي قدرة على إدارة البلد، حتى وإن بقي لعدة أشهر فإنه بقاء مافيا تقتل فقط، وليس بقاء نظام يحكم. ولهذا فإن تشكيل حكومة مؤقتة من قبل الثوار أمر ضروري كما قالت فرنسا. والواقع السوري سيتشكل وفق ما تتطلبه الثورة الشجاعة، اما حزب الله فسيرى إذا انجلى الغبار أفرس تحته أم حمار كما قالت العرب.