بقلم: نضال محمد وتد – مرة أخرى وعشية السنة الدراسية الجديدة تنشر وزارة المعارف المعطيات الرسمية لنتائج البجروت في إسرائيل لتتصدر البلدات العربية من جديد أسفل القائمة ولا تجد أكثر من 6-7 بلدات يمكنها الافتخار بنتائج “طبيعية” قريبة من المعدل العام في إسرائيل في حالات استثنائية يدل فيها النجاح أكثر من أي شيء آخر على مبادرة ذاتيه وحزم لإدارة المدرسة وطاقمها، كما حدث في ثانوية جسر الزرقاء التي اعتبرت طيلة عقود مدرسة ضعيفة واتهم أهل القرية وشبانها بانهم “لا مجال لإصلاحهم” لكن تعيين مدير جديد في العام الماضي ، الأستاذ محمد محسن ( لم يتسن لي التعرف عليه بعد)، ضخ روح ودماء جديدة في صفوف الهيئة التدريسية وتمكن من مضاعفة نسبة الناجحين في امتحانات البجروت من 12,5 بالمائة إلى 37.65 خلال عام واحد وبرغم كل المعيقات “الرسمية” والمحلية والاجتماعية، وكان لنفس الأستاذ دور فاعل في رفع نتائج البجروت في ثانوية الفريديس قبل عامين لتسجل رقما غير مسبوق في القرية بلغ أكثر من 75%.
هذه المقدمة جاءت بالأساس لتقول إنه بالرغم من مخططات السلطة وشماعة السلطة التي نسارع كلنا أفرادا وجماعات، أحزابا وحركات، إلى اللجوء إليها، فإنه يمكن إذا صدق العزم عند الإدارة في المدرسة واهتمت الإدارة والطاقم بعملها كما يجب، يمكن عندها تحقيق العجائب والمعجزات، فمضاعفة نسبة النجاح من 12.5 إلى 37.65 في قرية لها ظروف جسر الزرقاء هي خير دليل على ذلك.
مع ذلك لا يمكن لنا إلا أن نستغرب كيف تتجرأ وزارة المعارف عبر الاختباء وراء طرق إحصائية تجزيئية ( تقسيم العرب إلى دروز وبدو وعرب) لتصل إلى استنتاجها المذهل بأن العرب في إسرائيل سجلوا ارتفاعا مميزا هو الأول من نوعه منذ سبع سنوات حيث ارتفعت النسبة العامة بنحو 2.5% ليصل المعدل العام إلى 52% عند مجمل العرب الذين تقدموا للامتحانات، مع إخفاء الوزارة للنتائج التي يفترض عند حسابها أن تأخذ بالحسبان أيضا أولئك الطلاب الذين “تآمرت عليهم إدارات مدارسهم ومركزي المواضيع المختلفة” ومنعوهم من التقدم لامتحانات البجروت حتى لا يضروا بنسبة النجاح في مواضيعهم (على مستوى مركزي المواضيع) وبالنسبة العامة للمدرسة (على مستوى الإدارة) مع أن من حق هؤلاء الطلاب التقدم للامتحانات والفشل فيها، نعم الفشل فيها، حتى نعرف حقيقة أوضاع طلابنا ومدارسنا، مقابل واجب الإدارة ومركزي المواضيع بوضع خطط وبرامج تقوية خاصة لهؤلاء وحثهم على بذل جهد أكبر وبث الأمل فيهم والتفاؤل بأن الاجتهاد كفيل بأن يقودهم إلى النجاح ولو بالحد الأدنى من علامة النجاح المطلوبة.
والحقيقة الأخرى التي تغفلها وزارة المعارف، ومعها أيضا إدارات المدارس هي عدم احتساب المتسربين من المدارس وهم كثر في الوسط العربي، مما يعني أننا لو أخذنا الطلاب الذين منعتهم إدارات المدارس ومركزي المواضيع المختلفة من التقدم للامتحانات، من جهة، والطلاب الذين تسربوا من الدراسة من جهة أخرى، لوصلنا إلى نتيجة مذهلة بأن أقل من 50% من طلابنا العرب قد حققوا نجاحا في امتحانات البجروت، لكن من المريح للأطراف الثلاثة ذات الصلة بالأمر: المجلس المحلي، إدارة المدرسة، ووزارة المعارف، تجاهل هؤلاء وهم منسيون وحقهم مغبون، لأن التجاهل وإسقاطهم من الجداول يعفي الأطراف المذكورة من مسؤولية النظر في المرآة ومن مسؤولية المحاسبة سواء، كانت محاسبة ذاتية أم محاسبة عامة، مما يعني في نهاية المطاف اهتمام الأطراف الثلاثة فقط بشرائح محدودة داخل المدرسة ، وهي الشرائح أو الطبقات، أو التخصصات التي يعود طلابها على المدرسة بمشاعر النجاح مع أن الحقيقة ليست كذلك.
خلاصة القول إنه إلى جانب مسئولية الحكومة والمؤسسات الرسمية عن هذه النتائج، فإن هناك مسئولية أكبر، اجتماعية ووطنية ودينية على الجهات الرسمية والفاعلة في الوسط العربي، على المعلمين والمديرين الذين يديرون ظهورهم للطلاب الضعفاء ويقتلون الأمل في نفوسهم بالنجاح، ويشجعوهم على الاكتفاء بامتحانات وشهادات الإنهاء، عبر التشكيك بقدراتهم وثقتهم بالنفس بدلا من حثهم وتشجيعهم على مواجهة التحدي والاجتهاد، ومسئولية أكبر على مدارسنا التي في حال تدخلت فإنها تتدخل هي الأخرى فقط لجلب برامج وخطط تخصص أساسا للطلاب الأقوياء والمتفوقين، بدلا من الأخذ بأيادي الطلاب المتوسطين والضعفاء للنهوض بهم والسير معهم ومواكبتهم وتشجيعهم وتذكيرهم بأن “النجاح حليف كل مثابر”…