إن المثقف العربي مقارنة بقاعدة نقد “الذات والواقع والتاريخ” أصبح خائفاً من الحاضر بكل أفعاله وصفاته، فالنسيان أرغمه للنفي والإبعاد خارج إطار هذا الزمان، واختلط الحرف العربي بالإنجليزي ولم يعد له إلا احتراف لغة “العربليزية” وسط تشعبات تتقمص الضمير الشرعي المستتر.
فالأصالة، بمضمون من يُجيّرها، بؤرة للهروب الى الخلف، والمعاصرة أداة أسر وكسر في غياهب الجُب وصولا للسجن، والضمير المستتر جلاد الذات وقاهر المنطقية والعقلانية.
تلك الثلاثية توجع الرأس وحاوية الأفكار، والنوع الفكري بمنهجيته يُعَمِمُ قياس الأصالة على المعاصرة دون استدراك الفارق الزمني، ولا يزال متأرجحاً للسقوط، والرذيلة سلعة رائجة بين ضعيفي الأنفس والتشتت الفكري، أما الشرعية فهي سلعة مُزْجاة متداولة بين ممرات الجدلية والفكر الشعبي.
ولكن إن لم تكن هناك معرفية علمية “ابستمولوجية” تسمو على أفقية المسطح الفكري، حينها يصاب المجتمع بالفصام السياسي، والشقيقة الاقتصادية، والديماغوجية الاجتماعية، والانهيارات الثقافية.
حتى إن هذا المسطح، حينما يتعرى من إطاره الفكري، نستطيع القول إنه ظاهرة وقتية وعابرة كسحابة صيف، فالعقل والتوازن الفكري هما الخطوة الأولى لبداية الوعي وكسر قيد الجهل والتطفل الفكري. إما إذا أرسى ذلك المسطح على شاطئ مجاملة المتطفلين، وقتها يقال إن دورته خلقت لتجني على نفسها مروراً بإعادة عقارب الساعة للخلف.
إن الانحناءات الفكرية التي يعاصرها كل جيل، هي عبارة عن ثنائية (الماضي في الحاضر) تزحف عقاربها نحو الهيام الماضوي، بدلاً من جعل تلك الثنائية دعامة أساسية ترسو على شاطئ نقد الذات والواقع والتاريخ.
فالذات العربية خُطِفت، والواقع يفتقد عناصر التقييم والتقويم والمعرفية، والتاريخ ملجأ لمن يريد الهروب من أمام واقعه، ولكن! ماذا عن المستقبل؟.
إن المستقبل حينما يرتكز على ذات مختطفة، فمن المؤكد أنه سيكون مشابهاً لفتاة جميلة يعشقها كل الرجال، دون الزواج منها، و”المحرمات” أقرب الطرق الى ذلك، والعكس صحيح.