فارس آخر من فرسان ثقافتنا العربية يترجل ، موفق رفيق خوري، مدير دائرة الثقافة العربية سابقا ،نائب مدير عام سابق لوزارة الثقافة.
يكل الم اجد نفسي مرة اخرى اقف راثيا صديق كاتب وصاحب ايادي نفتقدها اليوم في تنشيط حياتنا الثقافية والفنية ودعمها ورعايتها وتوفير الشروط المادية والفنية والمعنوية لتطويرها واستمرارها. منذ غاب موفق عن رئاسة دائرة الثقافة العربية غابت الدائرة عن الثقافة والمثقفين وغاب نشاطها وغاب المحرك الذي لم يكن يكل من العمل والدعم والحث على الابداع الفني والثقافي.
مع غياب موفق ، بعد استقالته، التي لم يكن منها بد، لم يعد لدائرة الثقافة من قيمة الا المكاتب، ولا اسمع عن أي نشاط جديد، ولا اعرف هل يتواصل دعم المؤسسات التي ساهم الراحل موفق خوري في تاسيسها ورعايتها؟
واجه في مسيرته صعوبات ومحاولات اذلال وتجاهل لا تسر البال مصرا على نهجه ومفشلا كل ما احيك حوله من نوايا لا تفكر الا بما يخص ذاتها ومكانتها. كان مؤمنا بما يقوم به، ومصرا على صحة طريقه ، فصمد ، وتواصل حبك الخطط لاسقاطه. ولو كنت مكانه لقدمت استقالتي مبكرا ولكنه كان يصر ان يواصل ما بدأه، وكنت ارى عبث ما يقوم به ومخاطره على مكانته وصحته. واعتقد اليوم اني كنت مصيبا ورأيت ما لم يستطع موفق ان يراه .
كان عنوانا لكل الأدباء العرب داخل اسرائيل. لم يقل كلمة “لا” لأي اديب او متأدب. استقبل الجميع بترحاب وحب وقدم اقصى ما يستطيع تقديمه. لم يميز بين اديب له اسمه ومكانته ، وبين اديب مبتدئ . حتى حين انتقدت امامه بقسوة تفاهة بعض الاصدارات التي تبناها واصدرها ابتسم ودافع عن اعطاء الحق نفسه للجميع ، وان ما ينفع الناس يبقى في الأرض واما الزبد فيذهب جفاء.
كان يتصرف بالتساوي بين الجميع، لم اقتنع بموقفه ولكني فهمت دوافعه ، بانها منعا لإدعاءات قد يطرحها البعض بان موفق خوري لا يتصرف بمصداقية، ومع ذلك فوجئت من كثرة الطامعين لاحتلال وظيفته ، وهو لم يكن غافلا عما يدور حوله، ولكنه واثقا بصحة طريقه وحسن تعامله مع الجميع، وهذا يبدو انه افشل نوايا غير نظيفة حاولت ان تطول من استقامته ثم تسقطه.
ترى هل ما جرى معه في السنتين الأخيرتين ، كان نتاج حبكة اسقط فيها من منطلقات ثقته وتعامله الصريح والأخوي مع الجميع؟
لا استبعد ذلك!!
حزنت جدا ، حين اضطر للإستقالة لوقف عملية تشهير أسقطت في المحكمة. فهمت ان المشروع الحضاري الذي اطلقه وحلم ان يرعاه حتى يصلب عوده، قد اصبح سببا للإيقاع به.
وفرحت له بنفس الوقت لأنه تحرر من ضغوطات قاسية جدا كان يواجهها بصمت واحتمال اثناء تحمله لمسؤولياته. ولكن ظلت في الحلق غصة.
في العقد الأخير كتب مجموعة قصص للأطفال،ثم انتقل للكتابة الروائية . لا اريد التعامل النقدي الآن في تقييم ما كتب، ولكنه لم يكن بأي حال دون المستوى العام الذي صدر في ثقافتنا لكتاب آخرين.
كان يحلم ان يرى حولة الكثير من الأحفاد، كان يتحدث عن اول احفاده بفرح كبير ويروي نوادرهم. ويؤلمني انه لم يحظى بان يرى حلمه الانساني هذا يتحقق.
من المؤسف هذا الرحيل المبكر، وهو لم يكمل بعد عقده السادس. موفق فدم لثقافتنا دعما لا يمكن تجاهله وتجاهل دوره في فتح آفاق واسعة امام انطلاقة ابداعية في جميع مجالات الثقافة والفنون، ما كان لها ان تصبح حقيقة واقعة دون دوره المميز وقدراته على تلبية الضروريات الأساسية .
نحن لا نجهل ظروف واقعنا السياسي والتمييز ضدنا في الميزانيات الحكومية. ولكنه نجح نسبيا حيث فشل الآخرون.
في مسيرته تعرض لضغوطات شرسة، كان يخرج منها دائما أقوى وأشد تصميما. قلت له مرة انجزت الكثير، وحولك عواصف كثيرة، الا تفكر بالتقاعد واخلاء الميدان لحميدان؟
كان خوفه على مشاريعه . على مستقبلها. كانت تتملكه فكرة ان انسحابه يعني اندثار ما انجز. وهذا حقه لأن ما انجزه لم يكن سهلا ولم يكن فقاعات صابون.بل حقائق راسخة في حياتنا وثقافتنا.
في السنوات الأخيرة عاد طالبا جامعيا في “جامعة ليبتسك” في روسيا لنيل شهادة الدكتوراة، وللأسف لم يتمكن بسبب ما احاط به في الفترة الأخيرة من ادعاءات مؤلمة، ان يواصل دراسته، واعرف ان ما تبقى له هو مناقشة اطروحته. وليت ابناء عائلته يصدرون اطروحته في كتاب وانا على ثقة انها مليئة بتجربة ثقافية ثرية .
حدثني أيضا في الفترة الأخيرة انه يكتب رواية جديدة. هل انتهى من انجازها؟
بكل الم نودع هذا الأخ الكبير الذي كان ملاذا لجميع الأدباء في نشر اعمالهم ومنحهم جوائز ادبية تسهل عليهم التفرغ لسنة كاملة من أجل الابداع الثقافي. واقول امرا هاما ، انه لم يضع أية شروط سياسية او ثقافية على اصدار الأعمال، بل نهج بطريقة ليبرالية مطلقة، وهذا ما جعل دائرة الثقافة العربية تحظى باحترام جميع الاتجاهات السياسية.
موفق خوري يرحل من بيننا ، ولكنه باق بنا انجزه لأبناء شعبة خلال مسيرة حياته الطافحة بالنشاط والعطاء .