أوباما ..الخاسر الأكبر – بقلم: نضال محمد وتد
لا يمكن التكهن بعد بنتائج موجة الاحتجاجات التي اجتاحت وتجتاح العالم العربي والإسلامي، مع سقوط سفير الولايات المتحدة في ليبيا قتيلا في أوج أعنف احتجاجات عربية شعبية ضد الغرب، انطلقت أساسا انتصارا لكرامة الرسول العربي، محمد بن عبد الله ودينه الحنيف، الإسلام بعد الشريط القذر الذي تبين الآن أن معده هو قبطي مصري هجر مصر أم الدنيا وانتقل للعيش في الولايات المتحدة.
ومع ذلك فإنه يمكن لنا أن نقول بوجود مقاربة أو أوجه شبه شديدة بين احتجاجات بنغازي والقاهرة واليمن وبين أزمة السفارة الأمريكية في إيران عام 1979.
ففي كلا الحالتين نحن أمام موجة غضب عارم في أوج معركة انتخابية يقودها رئيس أمريكي حاول، ولو من باب معسول الكلام، التقرب للعرب والمسلمين، مقابل مرشح جمهوري يميني يعلن جهارا رفضه للحوار مع العالمين العربي والإسلامي؛ فبراك أوباما الذي استهل ولايته بخطاب القاهرة الشهير، والذي منح مصر، قبل أسبوع فقط مساعدات مالية ضخمة، وهو يسبح ضد تيار الإسلام فوبيا، يجد نفسه اليوم في وضع يشابه الوضع الذي عاشه الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، الديمقراطي، المنفتح على العالم العربي، عندما قامت ثورة إيران واحتل الطلبة الإيرانيون السفارة الأمريكية في طهران.
وإذا كانت حادثة طهران انتهت بعد عامين، تقريبا من اندلاعها بعودة الرهائن الأمريكيين بعد أن تغلب مرشح اليمين الأمريكي، رونالد ريغن على كارتر، فإن الاحتجاجات الحالية تشي بمصير مشابه لبراك أوباما وإن كانت الأسباب والعوامل المساعدة لها هذه المرة مختلفة كليا.
لكن في النتيجة، سيكون براك أوباما الخاسر الأكبر من هذه الأحداث لأنها ستعيد إلى السطح من جديد وبزخم أكبر وبدعم أقوى من اليمين الأمريكي التقليدي، طروحات صامويل هانتينجتون، حول صراع الحضارات، وتروج من جديد لكتب وطروحات نتنياهو حول محاربة الإرهاب وتقسيم العالم بين محورين محور الديمقراطية والحريات مقابل محور الإرهاب والأصولية الدينية والعداء البنيوي للغرب ولإسرائيل باعتبارها رأس الحربة في الدفاع عن العالم الأبيض (وفق طروحات والده البروفيسور بن تسيون نتنياهو، الذي نهل منه نتنياهو وطور وبنى عقيدته الفكرية والسياسية).
فلم يكن يكفي براك أوباما “وجع الرأس” المزمن الذي سببه له نتنياهو في العامين الماضيين وبشكل أكثر حدة في العام الأخير مع إصراره على تحدي الرئيس أوباما، من جهة، وعمله على الترويج والتأييد غير المتحفظ، وسط تدخل فظ بالشؤون الداخلية الأمريكية، لانتخاب المرشح الجمهوري ميت رومني.
والواقع أن متاعب أوباما، سواء بسبب لون بشرته، أم انتمائه للحزب الديمقراطي، وأصول والده الإسلامية في كينيا، لم تتوقف يوما. فقد كان واضحا بعد فترة قليلة على توليه الحكم ذلك النفور القائم بينه وبين نتنياهو ورفض أوساط اللوبي اليهودي الإسرائيلي، كما اللوبي الجمهوري ولوبي اليمين المسيحي لسياسته الداخلية والخارجية، وهو نفور وتنافر له جذور منظوماتية في تطلعات وسياسيات الطرفين (إذ نضع هنا حكومة نتنياهو واليمين الأمريكي في طرف، وإدارة أوباما في طرف آخر). وعلى امتداد فترة ولايته الأولى كانت هناك نذر تشير على أن اللوبي الصهيوني وهو يبتز الرئيس مرة بعد أخرى لصالح إسرائيل، لم يثق به كليا، وهو ما أعلنه نتنياهو في الأيام الأخيرة على خلفية الملف الإيراني، لكن أحدا لم يتوقع أن تأتي اليمين الأمريكي ولا اللوبي الإسرائيلي ولا حكومة نتنياهو “هدية من السماء” كالتي سقطت أمس في حضن خصوم أوباما مع سقوط السفير الأمريكي في ليبيا مضرجا بدمائه.
سيكون أوباما الخاسر الأكبر مهما حاول “احتواء الأزمة” وتقليل أضرارها، لأنه لن يقوى في المرحلة الأولى على الأقل على مواجهة طروحات رومني على سطحيتها بأن الخضوع للإسلام وللربيع العربي على حساب إسرائيل لا يعطي نتيجة بل يجر نتيجة عكسية، وأن أي تنازل للعرب والمسلمين يأتي دائما بنتيجة عكسية، وسيكون لمواقف نتنياهو في اليومين الماضيين دور محوري في هذه الدعاية خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الفارق بين أوباما ومنافسه قليل للغاية وكل تحرك أو انتقال لصالح رومني قد يقضي على فرص أوباما. وأمريكا الهائجة على سفيرها المقتول في بنغازي، لن تستمع لصوت المنطق ولا الحكمة بل ستعود للأدبيات الغيبية ولدعايات رومني واليمين المسيحي المسيحاني في ولاياتها تطلب الدم والثأر لسفيرها، وتطلب من أوباما الذي كاد يذهب “ببني إسرائيل” ضحية على مذبح الحوار والدبلوماسية مع إيران “الشيعية”، ومع أخوان مصر ، أن يتنحى جانبا مثلما فعلت عندما نحت كارتر جانبا عام 1979 وأفسحت المجال لأشد الرؤساء تطرفا في عقد الثمانيات وهو ورنالد ريغن.