بعد أن تجاوز عدد مشتركي الفيسبوك 800 مليون شخص حول العالم وحقق نجاحا باهرا في تحوله لظاهرة اجتماعية وسياسية وثقافية ، غزى الفيسبوك فلسطين كذلك ، وظهرت العديد من المجموعات والصفحات والمنتديات المختلفة منها الادبية والثقافية والدينية والسياسية وغيرها حيث لا يمكن حصرها لكثرتها.
وقد ازداد عدد الفلسطينيين المنضمين لشبكات التواصل الاجتماعي وخاصة الفيسبوك بعد الثورة التونسية والثورة المصرية وما تسرب عنها من انباء عن طريقة تداعي الشباب للاحتجاجات الشعبية والمظاهرات المليونية واليات التواصل بينهم، ولاحظنا نشاطا كبيرا بعدها على الفيسبوك لمجموعات فلسطينية مختلفة مثل مجموعة 15 آذار و 15 أيار والشعب يريد انهاء الانقسام ، ومجموعات لنصرة القضايا النسائية وأخرى تطالب بالعدالة الاجتماعية وضد الغلاء.
كذلك شهدنا افتتاح مواقع او صفحات لكبار السياسيين وهم من غير الشباب بهدف التواصل مع الشباب والاطلاع على قضايا المواطنيين وهمومهم ومن اهم هذه الصفحات كانت صفحة الرئيس محمود عباس وصفحة رئيس الوزراء الفلسطيني د. سلام فياض حيث وظف مختصين لديه للتعامل مع هذه الصفحة بمهنية عالية ومخاطبة المتصفحين وعرض نشاطه عبر الصور والكتابات المختلفة. وقد اصبح لدينا كذلك ما نعرفهم اليوم بنشطاء الفيسبوك!!
لكن السؤال الهام الذي نطرحه ، هل استفاد الفلسطينيون من هذه الشبكات وهل أدى الفيسبوك دوره المطلوب لنصرة القضية الفلسطينية سياسيا واعلاميا واجتماعيا ؟؟
نعتقد اننا فشلنا كفلسطينيين في استثمار هذه الشبكات سياسيا ونجحنا اعلاميا لكن بشكل فردي وليس مؤسسي ، لان الجميع اصبح يناضل عبر صفحات الفيسبوك وبدأ يضع الصور والشعارات الثورية وستاتوس الرنانة بهدف جلب المعجبين واللايكات والتعليقات فقط ، دون الالتفات لضرورة ان تكون لهذه الشعارات تطبيقات مناسبة على الارض وأصبحت بمثابة دعاية شخصية اكثر منها مناداة لعمل وطني مناسب ، فكثير منا ارتأى ان تكون صفحته سياسية فلسطينية ، إما مؤيدة للسلطة الفلسطينية او معارضة لها ، وآخرون اهتموا بالثورات العربية ، وعدد آخر يعملون الآن على دعم الثورة السورية عبر الفيسبوك ضد نظام بشار الاسد بحسب تعبيرهم .
اما آخرون فشاركوا في مجموعات ومنتديات ونوادي تحارب الفساد او الفقر او انهاء الانقسام ، حتى الصحف والمجلات والشركات والمحلات التجارية اصبح لها صفحات خاصة على الفيسبوك تعرض اخبارها من خلاله بشكل دوري .
في الجانب الاخر نرى اخرون يهتمون بالادب او الثقافة او الحب والصور ومواقع التحادث المباشر ( الشات ) وترى عشرات الجمل والشعارات الرومانسية والعاطفية والادبية التي تدغدغ مشاعر القراء ، ولتشعب هذه المواضيع لن ادخل في تفاصيل كثيرة ، وما سنركز عليه هنا الفيسبوك الفلسطيني سياسيا واعلاميا واجتماعيا ، فكل منا له اصدقاء واقارب في امريكا واوروبا والدول العربية وكل انحاء العالم وقد ساعد الفيسبوك على الالتقاء بهم والتواصل معهم بطريقة سهلة وغير مكلفة ماديا مثل الهاتف او الجوال ، وقد ساعد ذلك الفلسطينيين ايضاً على ايصال ما يحدث من انتهاكات اسرائيلية للعالم بسهولة ونقل الاخبار والصور كل على طريقته، لكن الهدف العام واحد وهو فضح الممارسات الاسرائيلية وانتهاكاتها لقواعد القانون الدولي وحقوق الانسان وكسب الدعم الدولي لقضيتنا العادلة ، وهنا يوجد ترابط كبير بين الاجتماعي والاعلامي والسياسي حيث يقوم كل شخص بايصال رسالة (اعلامية) كما يراها لاصدقائه واقاربه عبر صفحته الخاصة وما يضع عليها من اخبار او صور او تعليقات وكان لذلك تاثيرا ايجابيا خاصة مع الاصدقاء الدوليين حول العالم والمغتربين الفلسطينيين .
ان شبكات التواصل الاجتماعي أدت الى تراجع في العمل الوطني برأينا بسبب تفريغ الطاقات والغضب على الفيسبوك بدل من تفريغها على الارض ضد الاحتلال ! وقد اصبح الفيسبوك في فلسطين أداة أو وسيلة للنضال الفردي أو الشخصي ان جاز التعبير وابعدنا عن العمل الوطني الجماعي، أصبح وسيلة للاتصال والتواصل الالكتروني فقط بعيدا عن التواصل الحقيقي ، واطرح مثالا حدث قبل أسبوع عندما دعت مجموعة صبايا وشباب فلسطين ضد الغلاء لوقفات احتجاجية في عدة مدن فلسطينية احتجاجا على الغلاء ورفع الاسعار ، وفوجئنا في مدينة كبيرة مثل نابلس يقف فيها ناشط واحد فقط يحمل شعارا ضد غلاء الاسعار ، بينما في مدينة رام الله لم يتجاوز عدد المحتجين اصابع اليد.
وقد ازداد هذا الحراك قليلا مع بداية الشهر بعد رفع اسعار المحروقات وبعض المواد الغذائية لكنه بقي ضعيفا بشكل عام ، هذا مثال بسيط فقط لما يحدث في فلسطين ، كذلك في المناسبات الوطنية كان يدعى لوقفات وتظاهرات ضد الاحتلال ، وكنا نجد عدد المشاركين قليل جداً، بمعنى ان هذه التكنولوجيا لا تغني عن الاتصال الشخصي وتوزيع البيانات وقيام الاحزاب السياسية ونشطائها والمجموعات المختلفة بتفعيل دورهم الميداني على الارض والاتصال المباشر مع الجماهير سواء في العمل الوطني ضد الاحتلال او في القضايا الاجتماعية المختلفة كما كان يحصل سابقا قبل ثورة الاتصالات الحديثة وكما كان يحدث في الانتفاضة الاولى على سبيل المثال.
ولا بد من التنويه من ان الانقسام قد طال مجموعات الفيسبوك الفلسطينية لاسباب لا علاقه لفتح أو حماس بها ، مما ساعد على تشتت جهودها واضعاف قوتها ، وكأنه لا يكفينا الانقسام الذي قسم ظهر الشعب الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس .
لذلك لا مانع من استخدام الوسائل الحديثة لمتابعة الاخبار وايصال الرسائل والتقرب من شريحة الشباب واستثمار طاقاتهم وشحذ الهمم والقدرات ايجابيا لانخراطهم في القضايا الوطنية والسياسية والاجتماعية لكن يجب ان يتبع ذلك تواصل شخصي وميداني على الارض وليس من خلف شاشات الكمبيوتر فقط، لان هذا الاسلوب أثبت فشله فلسطينيا .
وحيث أن المجتمع الفلسطيني هو مجتمع فتي اكثر من نصفه من فئة الشباب ، وبما ان الشباب هم رواد مواقع التواصل الاجتماعي ، لذلك يجب الاهتمام بهم وتوجيههم ، ويجب تفعيل دورهم ودمجهم في صنع القرار ، واعطائهم مساحة من الحرية للتعبير عن آرائهم بعدما اصبح الفيسبوك عالما قائما بذاته يستطيع ايا كان التعبير عن رأيه بحرية تامة وكما يشاء حيث ربط الفيسبوك بين التكنولوجيا والسياسة ، ووجدوا فيه متنفسا للتعبير عن آرائهم السياسية التي احياناً لا يستطيعون الجهر بها .
أخيرا وبعيدا عن السياسة لابد من التنبيه لمضار او سوء استخدام هذه الوسائل الحديثة حيث لا يعلم الكثيرون مضار هذه الشبكات خصوصا انها تحتوي على الصور الشخصية وبيانات وتفاصيل ومذكرات شخصية كثيرة قد تقع في ايدي غرباء او هاكرز قد يستغلونها ضدهم ، لان خلف الشاشة يكون هناك عناصر متخفية لمتابعة اشخاص شباب وشابات ونشطاء سياسيين واجتماعيين ، قد تستغل هذه البيانات ، لذلك يجب التعامل بحذر مع هذه التكنولوجيا ، فلا تجعل من نفسك فريسة سهلة لضعفاء النفوس لاستغلالك وتهديد أمنك الشخصي .
عن وكالة معا الاخبارية الفلسطينية