لقد شنت سلطة محمود عباس في الأسبوعين الأخيرين هجوما شديد اللهجة على حركة حماس، وعلى حكومة اسماعيل هنية في قطاع غزة، منذ إعلان الأخير عزمه المشاركة في مؤتمر دول عدم الانحياز في إيران، ومع أن هنية عدل في نهاية المطاف عن تلك المشاركة، من جهة، وعلى أثر إعلان إيران أنها لم توجه دعوة رسمية لحركة حماس ولا لإسماعيل هنية، إلا أن سلطة عباس وجدت المناسبة فرصة جديدة للتهرب من استحقاقات المصالحة الفلسطينية، أو قل من مجرد إحياء الحديث عن المصالحة ، لمحاولة شن هجوم على حركة حماس ونزع أي شرعية عنها أو عن حكومة هنية.
ولم تتورع حكومة رام الله (وكم هي قريبة من حكومة فيشي الفرنسية الموالية لألمانيا النازية إبان احتلال ألمانيا لفرنسا) عن الزج في منظمة التحرير الفلسطينية ومسألة وحدانية التمثيل الشرعي للشعب الفلسطيني وصولا إلى الادعاء بأن حكومة هنية غير الشرعية (وفق تعبير الرئيس المنتهية ولايته القانونية، ونعني عباس) تعرض للخطر مجرد وجود الشعب الفلسطيني..
وفي خضم حماس سلطة عباس إلى التقرب من إسرائيل تطايرت في الفترة الأخيرة التصريحات المعادية لحركة حماس لحد استبعاد أي أفق للمصالحة، في وقت لم توقف فيها سلطة “فيشي” الفلسطينية في رام الله نشاطها المحموم للتقرب من إسرائيل وحكومتها، مستترة وراء بالونات الديماغوغية الفارغة التي أطلقها ليبرمان من جهة، ووراء العودة للحديث عن منظمة التحرير والحرص على “إنجازت شعبنا” في انتزاع القرار المستقل وفي التباكي على مصير منظمة التحرير الفلسطينية.
والواقع أن سلطة “فيشي” الفلسطينية في رام الله لا ترى في منظمة التحرير اليوم، سوى غطاء وستار تتستر به لتبرر انغماسها في الفساد الداخلي والقمع لمعارضيها، وقميص عثمان تلوح به لتبكي على تاريخ النضال الفلسطيني ورموزه، وتُبكي به الناس من عدم شرعية حكومة هنية في غزة. لكن فات حكومة عباس ومن يدور في فلكها أن عدم شرعية حكومة هنية في غزة يقوم على نفس مبدأ عدم شرعية سلطة عباس في رام الله وعدم شرعية حكومات التصريف المتعاقبة التي يترأسها السيد سلام فياض منذ الانشقاق الفلسطيني الفلسطيني، بعد أن انتهت فترة الولاية الدستورية لرئيس السلطة الفلسطينية من جهة، وللمجلس التشريعي الفلسطيني الذي اشتقت منه حكومة هنية شرعيتها.
أي أن كلا الطرفين يفتقران إلى الشرعية الانتخابية لكن كل منهما يستمد “شرعيته” من حالة وضع اليد وفرض الأمر الواقع كل في موقعه، حماس تستمدها من نتائج الانتخابات الأخيرة قبل الانشقاق وحكومة رام الله من اتفاقيات أوسلو ومن تسهيلات وامتيازات التنسيق الأمني مع إسرائيل .
لقد أفشلت قيادات “منظمة التحرير” الأوسلوية في العامين الماضيين كل محاولات إصلاح منظمة التحرير وإعادة بنائها على أسس جديدة، بناء على الثوابت الفلسطينية من جهة، وعلى مستجدات الواقع الفلسطيني وبضمن ذلك ظهور حركة حماس وانتشارها في صفوف الشعب الفلسطيني قوة لا يستهان بها، تمثل قطاعات كبيرة، على الأقل داخل الأراضي المحتلة في الضفة والقطاع. وبالتالي وبعد أن أفرغت سلطة رام الله منظمة التحرير من مضمونها، وتخلت عن مسؤولياتها تجاه الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده وحصرت همها في تزويد سلطة رام الله بالأوكسجين وبإكسير الحياة، فإنه ليس بمقدورها التباكي على منظمة التحرير ووحدانية تمثيلها للفلسطينيين لأنه وبرفضها استيعاب حماس داخل المنظمة، لا يمكنها أن تدعي التمثيل الكامل والوحيد للشعب الفلسطيني واليوم، ولعله من المفيد أن نذكر قادة رام الله بأن المنظمة عند تأسيسها في العام 1964 كان تأسيسها باعتبارها وسيلة وليس هدفا، وكان التحرير هو الهدف وليس استلام السلطة سواء كانت جزئية أو كاملة .