البعض يؤمن بتناسخ الارواح وعودة روح الفرعون خوفو مثلا في جسد شخص من حاضرنا، او انتقال روح الامبراطور الروماني نيرون في جسد احد الطيباويين، وليس أي طيباوي …
ما يذكرني بالامبراطور الروماني نيرون هو شهرته في التاريخ بأنه احرق روما بدعوى تجديدها، فأشعل النيران في عشرة احياء من الاحياء الاربعة عشر التي تتشكل منها المدينة وجلس في برجه يرقب النيران تلتهم كل ما شيد في المدينة من الخشب وما اكثره بدءا بالسيرك الكبير. واخذ ينتشي طربا لعويل المواطنين وهم يموتون بالنيران تحرقهم احياء.
ما يعرف عن هذا الامبراطور انه كان يعاني من هوس العظمة فكان فشله في إدارة الامبراطورية الرومانية التي ورثها عن الامبراطور الابله كلوديوس الذي تبناه صغيرا، دفعه الى الغناء والتمثيل، فكان يفرض نفسه كمغن وكممثل يجني الجوائز بالقوة.
اما في بلدنا فالإمبراطور نيرون يبدو انه انتسخ في جسد من يعيش بيننا فحمل عود ثقاب وراح يتجول في ارجاء البلد، يشعل هنا وهناك ويسرق هنا وهناك. ومن يدري، لعله كان يجلس بعد ذلك يتلذذ بمشهد الحريق وبألسنة اللهب وبصراخ الناس وهم يحاولون اخماد ما صنعت يداه.
نيرون الطيبة يأخذ الامور على جرعات حتى يطيل متعته ويتذوقها حتى ترسباتها في القعر. ولأن الطيبة ليست بحجم روما ولأنها ليست مشيدة من الخشب، فقد اخذ نيرون بلدنا اولا، مبنى البلدية (نيرون روما احرق اولا سيرك روما – لا فرق بين المؤسستين)، حرقها فأصبحت اثرا بعد عين ولم يتحرك احد ولم يتململ آخر ولم يستدعه للاستجواب احد فمر الوقت والمحروقة كالصومعة الغبية لا تشير الى مغتصبيها، فأيقن نيرون ان المتعة مضمونة والبلد واسعة وكل ما فيها قابل للاشتعال.
لم ينتظر طويلا فأشعل عود ثقابه في مكتب البريد، ابتهج كثيرا لفعلته وصفق له البعض بأصبعين بدل كفين لأنه خلصهم من هذه الخدمة فباتت المدينة ولمدة عامين بدون خدمات بريد حتى ان البعض راح يربي الحمام الزاجل، الى ان تمت خصخصة خدمة البريد ورفعت السلطات يدها عن هذه الالتزام.
ولكن نيرون الطيبة يسعى الى تغيير كل شيء في المدينة، فانتقل الى المدارس وبدأ بأقدمها وأعرقها، اول مدرسة ثانوية في المدينة. وكأنه كان في قمة الهيجان والتعطش لوهج النيران فأشعل على ما يبدو حريقا في مستودع للملابس بالقرب من المسجد القديم في مركز البلد “عمر بن الخطاب” وحاول اضرام النار في ابتدائية “البخاري” ولكن هدفه الاساسي كان المدرسة الثانوية.
قد نجد اختلافات عديدة بين روما والطيبة ولكن هناك اوجه تشابه بادية لكل عين وهناك اوجه اخرى للتشابه قد تظهر بعد النبش عن الحقيقة وتقشير الجريمة ليتضح مرتكبها.
ولمن غاب عن ذهنه الفصل الاخير من سيرة الامبراطور المأفون، نذكر بأن نيرون، الامبراطور النرجسي المهووس بالحرائق، مات منتحرا بعد ان افلست الامبراطورية وسادتها حالة من الفوضى.
فهل التشابه في البداية يعني التشابه في النهاية، لست ارجو هذا وإنما ارجو العافية لبلدنا اولا وأخيرا وليخسأ نيرون أي كان.
مع تحيات اختكم: ام سامي