إبراز الاختلافات الجوهرية ضمان لمشاركة تصويت واسعة
بقلم: نضال محمد وتد – نعم ، وخلافا لكثيرين ممن سيدلون (وقد بدأ بعضهم من الزملاء والسياسيين) بدلوهم، فإنني أستهل المقال بالحديث لا عن الوحدة ولا خطابات الوحدة بل على العكس من ذلك، أدعو الأحزاب الرئيسية في الوسط العربي، الممثلة في الكنيست (التجمع والجبهة والإسلامية الجنوبية) وتلك الناشطة خارج البرلمان (الإسلامية الشمالية وأبناء البلد)، إلى ضرورة المكاشفة في تعاملها مع الناس، وتحديد الفروق الجوهرية والمبدئية لإقناع الناس والمصوتين بجدوى وسبب التصويت لأي من الأحزاب المذكورة.
فلا يمكن استمرار الحديث والدعاية عن ضرورة الوحدة والتحالف، لأننا نعرف أن حصة الأسد من هذه الدعوات لا تخرج عن كونها معسول الكلام، خصوصا عندما تخرج عن سياسيين لا يملكون وجودا فعليا وميدانيا، من جهة، أو عن أطراف وأحزاب تتغطى بعدم الوحدة، كما أشرت في المقال السابق لتبرير الخروج إلى “جنة وفردوس” الأحزاب اليهودية الصهيونية والأحزاب العربية المتصهينة كحزب “النهضة” الذي روجت له وسائل إعلام عبرية، ويدعو إلى نهوض العرب زرافات وجماعات لتأدية الخدمة الوطنية والعسكرية.
والغاية من إبراز الفروق، ليست كما قد يدعي البعض، دعوة إلى عدم وحدة الصف العربي، بل بالأساس إلى توحيد الصف العربي بمنطق التصويت للأحزاب التي تملك فعلا برنامجا حقيقيا، ليس منسوخا مع بعض التغييرات، والتي تملك انتشارا ميدانيا وفروعا ومؤسسات حقيقية ولها قيادات حزبية على كافة المستويات وليس مجرد قائد مع بعض الأقارب والأصدقاء، بل أحزاب لها فروع وسكرتيري فروع، وحركة طلابية، وحركة نسائية، ولها برنامج واضح له أسس عقائدية ومبدئية وليس مجرد شعارات براقة أو فذلكات إعلامية.
والغاية الحقيقة من إبراز الفروق هي أيضا إخراج الناخب العربي من دائرة اللامبالاة أو حالة الإحباط التي تنعكس في ترديد مقولة لا يهم من يكون في الكنيست ولا يهم عدد النواب العرب، ففي نهاية المطاف كل منهم يعمل لصالح، وهذا هو مكمن الخطر الرئيسي الذي قد يحول إذا لم تبرز الفروق والاختلافات والتمايزات ، حالة الإحباط الحالية واللا مبالاة إلى حالة ذهنية سائدة وعقيدة راسخة تؤدي بدورها إلى عزوف كلي عن المشاركة أو على الأقل إلى قطيعة أوسع بين الأحزاب (ولا أقول النواب) وبين جمهور الناخبين العرب.
والواقع أن المعركة الانتخابية القادمة ستكون مصيرية ليس فقط من حيث احتمالات نجاح الأحزاب العربية في اجتياز نسبة الحسم (علما بأن كافة الاستطلاعات تشير إلى أن الأحزاب لعربية ستجتاز هذه النسبة) وإنما والأهم من ذلك من حيث هوية من الذي سيعود من النواب والأحزاب الحالية إلى الكنيست، فهوية الحزب الموجود في الكنيست يجب أن تكون هوية تعكس مفاهيم وأفكار ومبادئ حقيقة لا مجرد شعارات براقة.
وعليه فإن المطلوب من الأحزاب العربية إذا أرادت حقا أن تكون صادقة مع الناخبين العرب، أن تتوقف عن تبادل المجاملات والنفاق، وأن تعلن بدلا من ذلك عن مواقفها الحقيقية من القضايا الحارقة، المحلية منها والعربية حتى يعرف الجمهور لماذا سيصوت للتجمع مثلا وليس للجبهة أو لماذا سيصوت للإسلامية الجنوبية (هذا إذا خاضت الانتخابات) دون غيرها: ما هو موقف الأحزاب العربية مثلا من أوسلو وسلطة عباس وسقطاتها في وحل التنسيق الأمني، هل نصوت لمن يروج لهذه سلطة مهما كان الثمن مثلا، أو ما هو موقف هذه الأحزاب من قضايا الربيع العربي، ونحن نعلم مثلا أن الأحزاب الثلاثة الرئيسية أبدت مواقفها في هذا المضمار، على الرغم أيضا من الخلافات الداخلية في صفوفها، بينما أغفلت “أشباه الأحزاب والحركات” هذا الملف أو صمتت عنه. ما هو موقف الأحزاب العربية مثلا من ملف الخدمة الوطنية والعسكرية؟ كيف ترى هذه الأحزاب مثلا دور لجنة المتابعة، واللجنة القطرية، ومن منها تؤيد انتخاب المتابعة كجسم تمثيلي للعرب في إسرائيل ومن منها ترفض جسما كهذا لاعتناقها مبدأ الشراكة اليهودية العربية، مَن مِن الأحزاب مثلا مستعدة للتعهد بالعمل الحقيقي لوقف معاناة الحجاج والمعتمرين واستغلالهم ووضع يدها في عش دبابير جمعيات الحج والعمرة؟ ومن من الأحزاب على استعداد للتعهد بمعارضة ووقف مشروع “مدينة بلا عنف” الذي يتسلل لبلداتنا بطرق مشبوهة؟ هل هناك حزب مستعد مثلا لأن يقاتل حتى تحصل مدينة عربية (وليس قرية) على قيادة لجنة تنظيم بناء بلدية مستقلة بكامل الصلاحيات لا أن تبقى تابعة للجان لوائية تسيطر عليها بلدات يهودية أو موظفي وزارة الداخلية…
المعركة الانتخابية هذه المرة مصيرية ليس فقط بمفهوم كم من النواب سيعودون، ولكن من الذين سيعودون، هل سيعود نواب الأحزاب الحقيقية الفاعلة أم نواب الأحزاب الطيارة، فليس مهما أن يعود جميع “أعضاء النادي” بل واجبنا أن نبقي بعضهم في البيت لأن وجودهم إما غير محسوس، أو هدام .