لا أعرف حزبا أو سياسيا، أو “شقفة حزب” أو شبه “حركة” أو “بقايا تيار” لا يعلن أنه مع الربيع العربي، إلا من خافوا وفزعوا من الديمقراطية التي جاءت بالأحزاب الإسلامية إلى الحكم لظنهم أن الديمقراطية لا تأتي إلا بالثوار الماركسيين أو القوميين أو العلمانيين أو حتى ببرجوازية وطنية انتهازية….
ولا أعرف حزبا حقيقيا فاعلا أو حركة سياسية أصيلة (غير وهمية وغير تهريجية) أو تنظيما تقدميا لا يقر بالخلل السائد بل قل والمهيمن على نشاط وأداء لجنة المتابعة، وفقدان لرصيدها وهيبتها بين الجماهير العربية في إسرائيل.. مع ذلك تجد بعض هذه الأحزاب الحقيقية (كالتجمع والجبهة) والحركات السياسية (أبناء البلد والحركة الإسلامية بشقيها) تطحن الماء وتفسره بعد الجهد بالماء. وتتبع منطق “حريرو حابك منديلو” من تكرار ممجوج مله الناس لضرورات ترشيد عمل اللجنة واعتبارها الحل السحري وطريق الخلاص ل”عرب الداخل” وفق تعبير المؤيدين حقا لعملية الترشيد والانتخاب، أو تكرار ممل بدرجة أكبر للادعاء بضرورة العمل أولا على إقامة البرلمان الفلسطيني المستقل في رام الله (فيشي الفلسطينية) قبل الحديث عن إقامة برلمان “عرب إسرائيل” (والتعبير هنا مقصود)، إذ يقفز أصحاب هذا التعليل حتى عن نظريتهم بأن الصراع الطبقي يفوق ويسبق الصراع القومي والوطني.
وواقع الحال والحقيقة التي يتجاهلها قادة الأحزاب من الصفوف الأولى لهذه الحركات والأحزاب الفاعلة، أنه ومنذ تم تفتيت لجنة المتابعة العليا عبر سلخ لجنة الرؤساء لتكون نوعا من لجنة التكنوقراطيين الذين يهتمون بالقضايا اليومية للناس، فقد فقدت اللجنة كثيرا من هيبتها أمام الجمهور، والأهم قناة الاتصال الأولية مع الجمهور العام ومشاكله اليومية والحياتية لصالح حل الخلاف على رئاسة اللجنة بين الجبهة (التي رشحت زيدان) لتضمن بقاء المهندس رامز جرايسي في صف القيادة القطري، وبين باقي المركبات الأصلية ( وهي التجمع والإسلاميتين وأبناء البلد).
ولم يقف الأمر عند ذلك، فمع أن للجنة المتابعة هيئات مختلفة تضمن مكانا ومتسعا لناشطي الأحزاب المختلفة الذين لا مكان لهم في الصف الأول لقيادة أحزابهم، ومنعا للازدحام الذي قد يخلق توترا داخل هذه الأحزاب، فقد فضلت الأحزاب التعامل مع لجنة المتابعة وتحويلها عمليا إلى ساحة خلفية تدير فيها خلافاتها بعيدا عن الأضواء وعن المحاضر الرسمية التي قد تدين حزبا دون غيره، من جهة، وساحة للتدريب على المهارات القيادية والمكائد السياسية والحزبية لناشطي الأحزاب من الصف الثاني، ضرب من ضروب “التطبيق العملي” أو “ستاج” تمهيدا لارتقائهم للعمل السياسي العام بعيدا عن هرطقات المناوشات الدون كيشوتية في حي الورود في الناصرة.
ويظن هؤلاء المندوبون المنتدبون من أحزابهم للمتابعة ( ولا نقصد هنا أعضاء الكنيست بأي شكل من الأشكال) أن الأداء البائس لهم في مداولات المتابعة يمكن أن يغطى بغربال الأيادي المتشابكة في المظاهرات والمسيرات القطرية التي يقل عدد المشاركين فيها عاما بعد عام، لتفاقم انعدام الثقة بلجنة المتابعة، ولتراجع هيبتها بشكل خطير بعد إخراج العناوين المحلية للناس فيها، وأقصد الرؤساء. والواقع أن ما أصاب قادة العرب من تونس ولغاية دمشق من عمى سياسي ونرجسية وانشغال بأهمية الذات قد انتقلت عدواه لمن في المتابعة فهم يرفضون رؤية الواقع والاعتراف بحقيقة القطيعة بينهم وبين الناس، ويفضلون الخوض في تنظيرات واهية للحالة والإصرار على قاموس الصمود والتصدي والمقاومة دون أن يكون لهذا القاموس وجود فعلي في حسابات الناس أو إدبارهم عن المتابعة ومتاعبها والخلافات الصبيانية للمتدربين فيها على قراراتها.
ففي مسألة عدم إعلان الإضراب مثلا، تبين من الفحص مع أركان في المتابعة أن الاقتراح الأصلي المقدم من الجبهة ومحمد زيدان تحدث عن عدم إعلان الإضراب لكن باقي الأطراف التي قالت إنها تفضل إعلان الإضراب لم تقاتل فعلا لإعلان الإضراب، بل تعاملت مع الأمر على غرار من ذهب بعد تردد كبير وضغوط عليه لأداء الصلاة في الجامع فوجد بابه مغلقا فقال للجامع مخاطبا إياه “أجت منك يا جامع”، وأخذوا يرددون ان الجبهة وزيدان افشلوا الإضراب وخففوا من مسؤوليتهم بعدم الإصرار على الإضراب وكان بمقدورهم أن يفرضوه لو شاءوا فعلا، أو لو أنهم اعتقدوا أن الموقف الوطني يحتم ذلك، وإن كلف ذلك أو سبب “شرخا” مع الجبهة.
خلاصة القول إن لجنة المتابعة بتركيبتها الحالية والمندوبين المنتدبين إليها “لفترة تدريب عملي ستاج” بحاجة لربيع عربي حقيقي وتغيير فعلي في هوية أعضائها كما في أسلوب عملهم وأدائهم وإلا سنبقى نشاهد مسلسلات لطحن الماء وحياكة نفس المنديل نهارا وفرطه ليلا حتى لا يتم إنجازه.