بقلم: داود البصري – لا يختلف المراقبون على تقويم طبيعة الدور السياسي الاختراقي الكبير الذي باتت تمثله دولة قطر على المستوى الدولي من خلال الاستراتيجية السياسية التي رسم معالمها الأساسية الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، ويدير ملفاتها المعقدة و الصعبة و المتشابكة رئيس الوزراء ووزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم، والذي أثبتت مسيرة إدارة الصراع الإقليمي طيلة العقد المنصرم من أنه بات يحظى بأهمية دبلوماسية وسياسية باتت تتجاوز كل الأطر المرسومة وهي أهمية نبعت وانبثقت من خلال الاعتماد على استراتيجية سياسة الواقع والتعامل مع الملفات بشفافية وأسلوب جديد غير معهود على المستوى الإقليمي سابقا مما جعل من دولة قطر وسياستها محيرة للبعض ومثيرة للمتابعة والاهتمام والإعجاب المفرط من البعض والعداء المفرط من البعض الآخر!!
وأضحت قطر مالئة الدنيا وشاغلة الناس، فاستثمارات الدولة السيادية في العالم قد بلغت أرقاما خرافية غير مسبوقة في عالم الاستثمار ومحاولة الاعتماد والبحث عن مصادر ربح جديدة قد تتجاوز مبيعات البترول والغاز، كما أن الانفتاح الفطري الكبير على العالم قد حول تلك الإمارة الصغيرة الواقعة جغرافيا بين أحضان دول كبرى وغنية وسابقة لتجربتها لقط شرس ومشاكس يبحث له عن دور فاعل في المنطقة و الإقليم، وارتفعت أسهم السمعة والدبلوماسية القطرية منذ صيف عام 1995 حين حملت رياح التغيير الداخلية هناك رياحا عاتية أخرى لتغير كبير في الدورين الإقليمي والدولي.
وجاءت المتغيرات الإقليمية الكبرى بعد غزو العراق عام 2003 لتفرز أوضاعا ومتغيرات جديدة ولتتبلور بوضوح مطلق نتائج التغيير في المنهج القطري لآفاق دولية أرحب وأوسع.
تصوروا إن الدولة التي أوقفت في بداية التسعينيات صدور مجلة ثقافية عريقة كمجلة “الدوحة” لأسباب مالية صرفة قد تحولت اليوم بفعل التخطيط الرائع والذكاء في إدارة الملفات لواحدة من مالكي أكبر الصناديق السيادية في العالم، ولهدف استثماري تتسابق عليه الشركات الدولية العملاقة، وتتطلع لبناء تنمية شاملة بما يؤهلها لدخول العصر الحديث من أوسع أبوابه من خلال الاعتماد على التعليم العالي وتنظيم الأوضاع الداخلية بما يتناسب والأوضاع الدولية الجديدة.
لقد رفع القطريون قفاز التحدي بوجه التخلف من خلال سياسة تعليمية منفتحة هي الأرقى والأنجح وستفرز نتائجها المدهشة قريبا جدا، ومن الجانب الآخر كان للدور القطري المهم في دعم الربيع العربي ومساندة الثورات الشعبية التغييرية العربية موقع مهم للغاية في جلب واستحضار كل أدوات الحقد والتشويه ضد المنهج القطري المتناغم مبدئيا واستراتيجيا مع حق الشعوب في تقرير مصيرها.
وكان من الطبيعي جدا أن توجه سهام الاتهامات المسمومة والتحريضات الخيالية ضد السياسة القطرية التي عرفت من أين تكمن بدايات ومفاتيح التغيير وتحريك الراكد في الأوضاع والملفات الإقليمية الجامدة.
قطر بقيادتها الواعية والدؤوبة هي اليوم خلية عمل وورشة إصلاح وتغيير كبيرة جدا وهي بقدر ما تثير الإعجاب فإنها تثير حسد وبغض وتآمر قوى التخلف والشمولية وفلول الإرهاب الاستبدادي والشمولي بما فيه الإرهاب الصهيوني الحاقد المسموم الذي يتهيب ويتحسب ويخاف ويرتعد من أية نهضة تعليمية حقيقية لأن في ذلك ضربة قاصمة للمشروع الصهيوني الخبيث المعتمد على وجود أنظمة سفسطائية دجالة تتكلم كثيرا وتهدد بشعارات سخيفة ولا توجه طاقتها وإمكانياتها إلا لسحق شعوبها كما يفعل جزار سوريا بشار الوحش ورهطه من المجرمين القتلة المدافعين عنه والذين سينالون جزاءهم ومصيرهم كجزاء ومصير بشار نفسه.
لقد هاجم الإرهابي الإسرائيلي ووزير خارجيتهم العدواني أفيغدور ليبرمان بوقاحة الدور القطري من خلال الزيارة الشجاعة التي قامت بها القيادة العليا في دولة قطر لمدينة غزة التي تعاني ويعاني شعبها من حصار ظالم تتجاوز نتائجه حالة الخلاف الفلسطيني الداخلي المزعجة والمؤسفة، وقدم الأمير كالعادة دعمه الكريم لمشاريع الإصلاح والتطوير ودعم التنمية والإنسان هناك وكانت بادرة كريمة تعبر عن رؤية خلاقة وإنسانية وشجاعة وهو الأمر الذي لم يرق لذلك الصهيوني الخبيث الذي حاول تشويه أهداف ونتائج الزيارة من خلال الادعاء الكاذب بأنها تدعم الإرهاب وأهله رغم أن المتحدث الصهيوني هو واحد من عتاة الإرهابيين والقتلة في إسرائيل.
قطر اليوم برغم كل محاولات الاستصغار و الاستهزاء قد تحولت لرقم إقليمي صعب في المعادلة الدولية المعاصرة وهي بعلاقاتها المنفتحة مع العالم بأسره وبدعمها اللامحدود للشعوب الطامعة والطامحة للتغيير نحو الأفضل و مغادرة محطات الفاشية والتسلط الدموي وبدورها التنموي وسياستها التعليمية المتقدمة، قد أضحت هدفا مباشرا لمؤامرات وأحابيل رهيبة وخبيثة لأنها بحماسة وجرأة صانعي القرار فيها قد تجاوزت المحظور وكل الخطوط الحمراء المسموح بها من بعض القوى الدولية التي تريد ترتيب الأوضاع وتكييفها وفقا لمصالحها وليس وفقا لتوجهات الشعوب الحرة.
السياسة القطرية ستظل تنهج منهجا صادما للبعض ولكنه سيحقق أهدافا كبيرة بأسرع وقت ممكن، وستكون قطر بكل تأكيد عرضة للتآمر وللحملات الإعلامية المباشرة والتسقيطية، فقوى الشر لا تريد للشعوب الصغيرة أن تخرج عن نطاق السيطرة ومحاولة اللعب مع الكبار بل وسباقهم والتفوق عليهم، ولكن لكون النفوس كبار فسيتعب الأعداء كثيرا في كبح جماح الفرس القطري الجامح الذي يبدو أنه يسير وفقا لرؤية وتخطيط استراتيجي عميق المباني والمعاني لا يدرك خلفياته أغبياء الشرق والغرب، قطر الصغيرة باتت ترسم اليوم معالم لمتغيرات إقليمية كبرى، فالصغار هم صغار العقول والنفوس والعزيمة، والكبار هم من يقبل التحدي ويقلب الطاولة على رؤوس الفراعنة والمتجبرين. وتلك هي المسألة بكل تأكيد فإن الإسرائيليين لن يهضموا أبدا هزيمتهم المعنوية.