همسة عتاب: رجولة تباع وتشترى بالرصاص
كلما علمت بوجود فرح في حارتنا يصيبني الذعر مع ان الجميع يستبشر خيرا بالأفراح إلا انا، فالذعر يأخذ طريقه الى نفسي والقلق ينتابني طوال الايام التي تسبق الفرح والليالي الى ان يمر حمام العريس وتمر السهرة ويتوجه عريسنا وعروسه لقضاء شهر العسل بعيدا عن انظارنا، عندها فقط اتنفس الصعداء وأتنهد وأنام بهدوء.
قد يقول البعض ما هذا التشاؤم، ولكني لا اتشاءم من فراغ. المقصود هنا هو الكمية الهائلة من الرصاص والأعيرة النارية التي تستخدم في هذه الليالي وخاصة في حمام العريس، وكأن حمام العريس اصبح منذ سنوات مناسبة لاستعراض السلاح وليس تقليدا اصيلا من تراثنا الفلسطيني.
في حمام العريس يتوجه البعض الى الاحتفال بعد ان لبس قميصه الفضفاض ليخفي تحته “شقفة” كما يسمونها المتلهفون لهذه الظاهرة، وهذه “الشقفة” لا تقل عادة عن مسدس معتبر إن لم تكن “ام 16” او كلاشنيكوف او أي قطعة سلاح لا احد يعرف هويتها. ويكون الواحد من هؤلاء عادة قد تزود بكثير من الأعيرة النارية التي اشتراها سرا عبر شخص ثان وثالث ورابع، وتعاون من اجل الحصول عليها مع عدة اشخاص على مدار ايام طويلة قبل حمام العريس المذكور، فهذه المناسبة الاهم لكي يستعرض “الشقفة” التي يملكها لعله يكتسب بهذه الطريقة بعضا من الهيبة بعد ان تحقق من بؤس فكره.
في الماضي كان المدعوون يتباهون بأجمل ملابسهم، وكان الاهالي والجيران يبذرون حبات الشوكولاتة فوق رؤوس الحاضرين تعبيرا عن البهجة فكنا نرى الاطفال يتسابقون لجمع حبات الشكولوتة من على الارض، ام اليوم ففوق رؤوسنا تتطاير الاعيرة النارية من كل اتجاه ويتسابق الصغار على جمع “الخراتيش” الفارغة المتساقطة على الارض.
من المؤسف في بلدنا الطيبة ان يصبح احترام الآخر قائما على الذعر منه وليس على اسس سواه. في الماضي كان الاحترام قائما على الخشية من ان تفقد صداقة شخص ما فتحترمه بعمق، وعلى الخوف من ان تغضب الوالد او الوالدة فتراعي مشاعرهما باستمرار وتطيعهما دون مناقشة، اما الاحترام القائم على بث الذعر في نفوس الآخرين فما هو إلا الارهاب بعينه، وهو نتاج حالة مؤقتة قد تنقلب في لحظة ما “رأسا على عقب”.
لا ادري من أي تراث تسللت الينا هذه العادة التي تحول خلالها حمام العريس الى ساحة للاسلحة المهربة والممنوعة التي تستخدم بلا رادع ؟ انا لا اتساءل عن دور الشرطة في هذا المجال لأن الشرطة على ما يبدو تكتفي بدور المتفرج طالما يتعلق الامر بسلاح جنائي وليس لمآرب امنية وإلا لما صمتت لحظة واحدة.
سؤالي عن مستوى الاخلاق الذي انحط الى ما تحت الخط الاحمر. وإذا كنا نتعامل بنوع من التغاضي مع الشبان الذين يستخدمون الاسلحة للابتهاج على طريقتهم في حمام العريس، لكونهم يعانون من نقص الثقة بالنفس، فإن اللوم والعتب في المقام الاول موجه الى كبار القوم. الى اولئك الذين يجلسون في مثل هذه الافراح والرصاص يتطاير من فوق رؤوسهم ولا يحركون ساكنا. هل اصيب حتى الكبار بطيش الصغار ام انهم عاجزون عن ردع ابنائهم ومنعهم من هذه التصرفات؟
الأهل الذين يرون بأم اعينهم ابنهم يستخدم السلاح “عيني عينك” في حمام العريس، لا يملكون الحق الادبي بالتظاهر بالبراءة حين يقع ابنهم ضحية لإطلاق النار سواء اعتدى على آخر او تعرض هو نفسه للاعتداء؟ ألم يقل العرب ان “طباخ السم لا بد ذائقه” !
ان مجرد حضور حمام عريس يستخدم فيه السلاح، يعتبر اهانة شخصية موجهة لكل عاقل بالغ يجلس وسط المدعويين. والغريب ان الاهانة لا يمكن السكوت عليها إلا إذا اصيبت معاييرنا الاخلاقية بإعوجاج اصبح معه استخدام السلاح مفخرة للعائلة !!
اذكر في الماضي ان من كان يحمل السلاح هم فقط اعوان السلطة، وكنت اسمع الكبار يقولون انهم لا يحضرون اعراسا تطلق فيها ولو رصاصة واحدة، لأن هذا يعني انهم اجتمعوا مع اعوان السلطة في فرح واحد وهذا بحد ذاته اهانة لهم، فمجرد سماع دوي اول رصاصة ينهض كل من يحترم نفسه ويغادر الفرح حتى لو كان فرح قريبه.
أما اليوم فالسلاح لم يعد مقتصرا على اعوان السلطة بل انتشر لدرجة ان شابا في الرابعة عشرة من العمر اصبح بوسعه التزود بالسلاح لأن معايير الاخلاق في هذا المكان والزمان اصيبت بانتكاسة عميقة، ورغم الزيادة العددية المهولة في المثقفين والاكاديميين في الطيبة إلا ان الازعر يحتل بوقاحته واجهة المدينة ويتحكم بسمعتها وهو واضع قوانين الاخلاق في شوارعها وهو محتكر السلطة والقوة في لياليها بقطعة من الحديد يلهو بها لأن عالمه فارغ من كل شيء سوى من هذه الدمية الدامية.
مع تحيات اختكم: ام سامي