بعيدا عن التصريحات المتطايرة من الأحزاب العربية حول جاهزيتها لخوض الانتخابات، فإن الحالة السائدة في الوسط العربي اليوم ، رغم اقتراب الموعد الرسمي للانتخابات، تشير إلى أن وسطنا العربي بأحزابه وحركاته السياسية المختلفة، الحقيقية منها والموسمية، الجادة منها والاستعراضية، الأصيلة منها (الجبهة، التجمع، الإسلامية بشقيها) والدخيلة (النهضة وغيرها) لا يزال في حالة سبات طويل نخشى ألا يستيقظ منها إلا بعد أن تقع الفأس بالرأس.
فواقع الحال يشير مثلا إلى أن الأحزاب التي انهمكت بداية في إطلاق بيانات الجاهزية والحث على الوحدة، لم تنته بعد، أو لم تقطع مشوارا في الاستعداد للانتخابات، مع أنه من المفروض فيها أن تكون قد بلغت شوطا كبيرا في تحركها الانتخابي، لكن يبدو أن المتاعب الداخلية ، وهي موجودة في كل حزب حقيقي له مؤسساته وفروعه ولجانه التنظيمية، تعرقل حاليا انطلاق المعركة الانتخابية، فالأحزاب ترى أنها لا يمكن أن تبدأ معركتها قبل أن تحدد قائمتها الانتخابية.
وفي هذا السياق ستبقى حالة الركود هذه سائدة على الأقل حتى منتصف الشهر الجاري، إلى أن تنتخب الجبهة والتجمع مرشحيها فيما يبدو أن الإسلاميتين غارقتين في تراشق الاتهامات وتعطيل الوحدة على خلفية ما نسب من تهجم الشيخ كمال خطيب على الشيخ المؤسس عبد الله نمر درويش.
تعطيل جلسات الحوار والوحدة بين الإسلاميتين يلقي بظلاله على باقي الساحة العربية، لأن القرار الذي ستتخذه الإسلاميتان سيكون صاحب القول الفصل في طبيعة المعركة الانتخابية داخل الوسط العربي، فإذا اتحدت الحركة المنشقة على نفسها، وكان مهر الوحدة التنازل عن الكنيست فإن ذلك سيحدث زلزالا في الوسط العربي ويقضي نهائيا على مستقبل قائمة الموحدة بعد أن تخرج منها الإسلامية باعتبارها متن هذه القائمة ورأسها ومخزون أصواتها . أما إذا ظل الانشقاق على ما هو عليه فسوف يضعف ذلك قائمة الموحدة لأن الحركة الإسلامية التي لا تستطيع الالتحام مع شقيقتها لا يمكنها التغني بوحدة مع حركات تحمل أفكارا تعتبرها التيارات الإسلامية ضالة ومضللة (في أخف تعبير).
من هنا فإن الأحزاب العربية التي تريد ثقة الناخب ملزمة بالتحرك ولو على مستوى تحريك قواعدها وكوادرها نحو “تسخين” المعركة مع التركيز على القضايا الجوهرية والموقف منها، بعيدا عن القضايا الثانوية أو التي تستغل عادة للتهريج الإعلامي الرخيص على غرار أقوى خطاب وأطول شنب ألخ.. بل يجب أن نفرز ونبين مواقف أحزابنا أو تلك التي نريد التصويت لها كأحزاب تحمل رسالة شعب وليس ككرت واسطة للوصول إلى الوظيفة.
ولعل أسخن القضايا في أيامنا ما كشفت عنه الصحف من المخطط القذر الذي تورط فيه بعض رجال الدين المسيحيين (وسارعت مجالس الملة إلى التنصل منهم وفرض الحرمان عليهم، كما في حالة جبرائيل نداف) الذي يسعى إلى تجنيد أبناء الطائفة المسيحية باعتبارهم معرضين لخطر الاعتداء عليهم من المسلمين، أو مخططات شبيهة أخرى أخطرها في حالة المثلث مثلا مخطط “الخدمة الوطنية” الذي يشهد تصعيدا كبيرا من خلال الترويج له وتطبيقه عبر المدارس بحجج واهية وعبر طمس حقيقة ارتباط هذا المخطط بوزارة الأمن الإسرائيلية وأذرعها المختلفة لتحويل أبنائنا وبناتنا إلى خدام للمؤسسة الإسرائيلية وجنودا في جيشها المحتل.
لكن قبل كل ذلك على الأحزاب نفسها ألا تفصل بين استعداداتها الداخلية وبين استعداداها العام لمقارعة الأحزاب المتنافسة، ولتحريك الناس وإعطائهم سببا حقيقيا لترك حالة الخمول واللامبالاة والخروج إلى صناديق الاقتراع، وإلا ستجد الأحزاب نفسها في يوم الانتخابات وهي تطلق من جديد نداءات الاستغاثة والدعوة لتفادي إسقاط القوائم العربية، وعندها سيكون كل “قرايبها” قد قتلوا وهي تتشكل وتلملم أذيالها…