بين 29-11-1947 و 29-11-2012 ست وستون عاما ضاعت من عمر الدولة الفلسطينية، وأمر رائع أن يعود العالم الى رشده، ويكرر اعترافه بدولة فلسطين وقبولها كعضو مراقب الى أن يتم استكمال العضوية، مع المظالم كلها التي لحقت ولا تزال تلحق بالشعب الفلسطيني، فأن يصوت أكثر من ثلثي دول العالم لصالح فلسطين، رغم التهديدات والضغوط الأمريكية، فهذا يشكل صفعة لاسرائيل ولولي نعمتها أمريكا، ومن لفّ لفهما من دول الطغيان ككندا وغيرها.
وما موقف أمريكا واسرائيل الرافض للدولة الفلسطينية إلّا برهان أكيد على زيف وكذب زعمهما بالموافقة على حلّ الدولتين، وجلّ ما تريدانه هو اعطاء الفرصة للمشروع الاستيطاني الصهيوني الذي يلتهم الضفة الغربية وجوهرتها القدس، كي يكتمل بفرض وقائع على الأرض لن تزيد الصراع إلا تصعيدا وتعقيدا.
وباعتراف العام بدولة فلسطين كعضو مراقب يقع تحت الاحتلال، سيتيح للدولة الوليدة الدخول في مختلف مؤسسات المنظمة الدولية، بما في ذلك محكمة الجنايات الدولية، وسيضع الحلّ القادم أما الرأي العام العالمي، وأمام القانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية بخصوص القضية الفلسطينية، وسينهي التفرد الأمريكي الذي لم يكن محايدا في أيّ يوم من الأيام، والذي يتغاضى عن الحقوق الفلسطينية ويعمل على تجييرها لدولة الاحتلال، وسيسحب البساط من تحت أقدام اسرائيل وأمريكا اللتين تتعاملان مع الصراع من منظار القوة، متناسيتين الشرعية الدولية، التي تنص على أن لا مكاسب للاحتلال.
وما الزعم الأمريكي والاسرائيلي بأن التفاوض الثنائي المباشر هو السبيل الوحيد للوصول الى السلام إلا التفاف على القانون الدولي، تريد اسرائيل ابتلاع أراضي الدولة الفلسطينية من خلاله، فقد جربت السلطة الفلسطينية المفاوضات المباشرة منذ مؤتمر مدريد في العام 1991، ولم تحقق شيئا، بل بالعكس جرى تضخيم الاستيطان الاسرائيلي بنسب تصل الى 500%، وجرت مصادرة الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، وتجريفها واقتلاع أشجارها، وانتهاك حقوق مواطنيها، وقد رفضت اسرائيل باستمرار وضع مرجعية قانونية تتمثل بقرارات الشرعية الدولية للمفاوضات، وحتى خارطة الطريق الأمريكية –التي هي خروج والتفاف على قرارات الشرعية الدولية- جرى تفريغها من مضمونها لصالح مشروع التوسع الاسرائيلي، وبموافقة أمريكا نفسها.
وبالتأكيد فان أمريكا ومن ورائها ربيبتها اسرائيل لم تستوعبا التغيرات الجارية في الساحة العربية، ولا تريدان استيعاب ذلك، ولم يغيرا من سياساتهما المعادية لدول وشعوب المنطقة، تماما مثلما تتجاهلان الرأي العام العالمي الساعي الى إقامة السلام بين الدول والشعوب، ويأتي الاعتراف الأممي بدولة فلسطين ليضع اسرائيل وأمريكا في مواجهة مع العالم أجمع، وهذا سيشكل ضاغطا عليهما لإعادة حساباتهما في مواقفهما التي لا يقبلها منطق أوعقل سوي.
ان الاعتراف الأممي بدولة فلسطين على حدود 4 حزيران 1967 يعني أنه يجب كنس الاحتلال وكافة مخلفاته عن هذه الأراضي، وسيجعل اسرائيل تفكر آلاف المرات باجراءاتها التعسفية في أراضي دولة فلسطين المحتلة، وذلك خوفا من مثول قادتها أمام محكمة الجنايات الدولية، وسيجبر اسرائيل على الاعتراف بالأسرى الفلسطينيين كأسرى حرب، كما أنه سيعرضها لعقوبات دولية اذا ما استمرت في احتلالها لأراضي دولة أخرى.
وللتذكير فقط فان العالم جميعه وقف ضد العراق عندما احتلت قواته دولة الكويت عام 1990، وجندت أمريكا أصدقاءها بمن فيهم دول عربية، وشنت حربا على العراق لتحرير الكويت بصفتها عضو في الأمم المتحدة، ومع علمنا المسبق بأن أمريكا تكيل بمكيالين في سياساتها الخارجية، وأنها منحازة الى اسرائيل انحيازا أعمى، إلا أنها ستجد نفسها في وضع حرج أمام العالم، وهذا قد يدفعها الى أن تعود الى رشدها، وأن تعترف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على أرضه، وأن يقيم دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشريف.