كنت أخاف من الموت كثيرا لأجل هيثم، وكنت ادعو الله ان ينهي تعليمه بأمان لأزفه عريسا. كان هيثم يملأ البيت بالمحبة وبالحنان وكان اجتماعيا ومرحا على الدوام، بهذه الكلمات تستذكر السيدة ام هيثم ام لسبع بنات وولد وحيد هو هيثم، صورة ابنها الذي توفي قبل عشر سنوات اثر حادث سير خطف شبابه وما زالت حسرته تظلل بيت اسرته.
ام هيثم: ابني كان طالبا ناجحا وله اهداف رائعة
تستذكر الأم الثاكل ودموعها لا تتوقف فتقول: كان هيثم يدرس في الجامعة العبرية في القدس وكان طالبا ذكيا ومجتهدا حريصا على اعداد برنامجه الدراسي. كان مخططا ذكيا الى جانب علاماته المميزة. كان يذهب الى جامعته ويتردد على المنزل كل نهاية اسبوع. كان نشيطا فعالا وكان اذا وقع جدل بين العرب واليهود في الجامعة يحاول تهدئة الطرفين مسالما ومحنكا، همه الامن والأمان.
وتواصل الام الثاكل ام هيثم فتقول: كان ابني كريما جدا معطاءً سخيا كان فعالا في جمعيات خيرية يساهم في بناء الخير للأيتام والمحتاجين وقد وصلتنا بعد وفاته العديد من التعازي خاصة من جمعية انصار السجين وجمعيات اخرى.
لن انسى فضل عمته في تربيته
وتتابع الام: عندما كان هيثم صغيرا كان ينام في حضن عمته كان يحبها جدا لم يفارقها ابدا حتى وهو كبير كانت دائما تقول لي انت لديك من يسليك اما انا فليس لي احد، وهيثم حصتي في هذه الحياة كانت مثالية ورائعة تخاف عليه كثيرا، كانت مثلي تخطط لعرسه تحلم معي كيف نزف هيثم، يؤلمني منظرها كثيراً وكلما رأيتها اشعر بغصة في الحلق تخنقني وتدفعني الى البكاء لكنني أتمالك نفسي أمامها وأنتظر حتى أغلق باب غرفتي على نفسي ثم أنفجر باكية .
صديق المرحوم اطلق اسم هيثم على ابنه
وتواصل ام هيثم سردها فتتذكر: في حياة ابني العديد من الاصدقاء ولكنهم جميعا على قدر من الاخلاق معظمهم حتى الان اعاملهم معاملة هيثم كلهم اولادي. واذكر منهم حيدر مرعي ومحمد يوسف مصاروة ورامي عدنان انقر وتامر غازي عبيد ومضر شاهين والعديد من الاصدقاء يعتزون جميعا بحسن أخلاقه وطموحه المشرف. كان يلتقي بهم كلما كان يعود من التعليم. لا اخفي انني كلما رأيت احدهم تنهمر دموعي رغما عني حتى ان صديقه يوسف اطلق اسم هيثم على ابنه تخليدا لصداقته مع المرحوم.
منذ رحيل ابني توقف عمري عند 47 عاما
وتضيف الأم الثاكل: توفي هيثم وانا عمري 47 عاما وما زلت في هذا العمر. الحياة توقفت بالنسبة لي ولكني حاولت مرارا وتكرارا ان الملم جراح زوجي وبناتي. كان هيثم يتردد على المنزل عند نهاية الاسبوع، وكنت اعد له ما لذ وطاب من المأكولات والشراب. وكان يقضي يوم عطلته بيننا يزور عمته ويلتقي مع رفاقه وابناء عمه، كان يحب الجميع وبيتنا كان حاضنا لكل الاقارب والمعارف. وكان اذا دخل المنزل اشعر بارتياح شديد.
لحظات من يوم الفاجعة
كنت في ذاك اليوم اتخذ مكانا بجانب النافذة، وكان الفصل الشتاء والجو ماطرا بغزارة. في لحظة ما قرر هيثم قطع اجازته والتوجه الى الجامعة. كان ينوي السفر في المساء. لكني لم أوافقه الراي وطلبت منه عدم السفر حتى انني اخذت اتوسل اليه ليتراجع عن قرار السفر لاسيما وان الجو ماطر بغزارة والوقت متأخر. شاء القدر ان تكون سيارة البيت معطلة، عندها طلب سيارة خالته فلم توافقه الرأي هي الاخرى. فقال سأذهب الى صالون الحلاقة لقص شعري، وفعلا ذهب الى صالون الحلاقة وعاد بعد ان قص شعره. لن انسى طلته في تلك اللحظة حين عاد من صالون الحلاقة، لقد كان قمرا، لقد كان كالملاك. استقل بعد ذلك سيارة خالته وتوجه الى بيت خطيبته، قضى هناك بعض الوقت ثم اتصل بي ليقول: “امي انا قررت ان لا اتوجه الى القدس”. كانت كلماته كالمخدر، ارتحت وغصت في نوم عميق. افقت في لحظة عصيبة لاحظت زوجي يرتدي ثيابه على عجل وكان الشارع بجوار البيت يعج بالناس وفي مقدمتهم اعمامه واخواله طلبوا مني ان اظل اصرخ ومنذ تلك اللحظة وانا اصرخ. حادث سير غدر بي وقتل ابني يوم 18-12-2002″.
مر على هذه المأساة عقد كامل من الزمن، عشر سنوات لم تمسح للحزن أثرا ولم تفسح للنسيان دربا. رحم الله هيثم حسين مرعي حاج يحيى في الذكرى العاشرة لرحيله عن عالمنا.