تغري بداية السنة الجديدة بأن نحلم بقليل من الفرح، في منطقة لا تدفع أخبارها التي نراها على الشاشات على مدار السنة سوى الى الحزن.
وإذ يتطلع العالم خارج منطقتنا، الى سنة 2013 بكثير من القلق على الاقتصاد ومعدلات النمو وحماية البيئة، وعلى تحسين فرص عمل أبنائه وظروف سكنهم وعيشهم، لا يبقى لنا نحن سوى ان نحلم لأهلنا ولمن نحب بمعدلات اقل من القتل والتهجير، وبالحد من نسبة الدمار الذي يلحق بمدننا، التي بناها اجدادنا بعرق ايديهم، وبوقف الهجرة المخيفة التي تُفرغ اوطاننا من اهلها، لأن هذه الاوطان لم تعد تتسع إلا لنسق واحد من العيش.
تدخل المنطقة العربية السنة الجديدة كما خرجت من السابقة: “ربيع” يكافح في سبيل البقاء. الانظمة القديمة تسعى الى التكيف مع العصر خوفاً من العواصف، بكل ما اوتيت من تماسك داخلي وقبضة امنية. والأنظمة الجديدة تحاول التعامل مع التركة الثقيلة التي ورثتها بخليط من اساليب الماضي وقوانين الحاضر.
وبعيداً عن الانتقال “التاريخي” الذي بدأت رياحه تهب فعلياً على المنطقة مع طلوع شمس عام 2011، لا تزال الأزمات الكبرى على حالها، تنتقل معنا من سنة الى أخرى، وتدفعنا الى إبقاء أيدينا على قلوبنا طوال العام.
الصراع مع إسرائيل، الذي أفقنا عليه قبل اكثر من ستة عقود، لا تزال اخطاره تهدد المنطقة كما كانت عام 1948. وكلما امعن العرب والفلسطينيون في التفكك، وتراكمت هزائمهم، قويت اسرائيل وازدادت مناعة. وها هي السنة الجديدة تبدأ بانتخابات اسرائيلية لا يُنتظر منها سوى احتفاظ اكثر الاجنحة تشدداً بقيادة الدولة العبرية، مع ما لذلك من تبعات سلبية على احتمال انطلاق عملية التفاوض من جديد مع الفلسطينيين، فضلاً عن تبعاته على اتساع حركة الاستيطان، التي باتت تهدد ما بقي من ارض يمكن أن يقيم عليها الفلسطينيون دولتهم الموعودة.
وكأن هذا التهديد لا يكفي، تنتقل الى العام الجديد ازمة المشروع النووي الايراني وما يشكله من خطر على امن المنطقة بأسرها، اذا قرر بنيامين نتانياهو تنفيذ تهديده بالقضاء على هذا المشروع بالقوة. يضاف الى ذلك ان التدخل الايراني في ازمات المنطقة اصبح في اساس الصراعات المذهبية التي تمعن في اوطانها شرذمة وتفكيكاً.
وتواجه ايران في صيف هذه السنة انتخابات رئاسية يحلم الجناح “الإصلاحي” باستعادة المبادرة فيها عن طريق ترشيح الرئيس السابق محمد خاتمي. ويبقى الانتظار لمعرفة طبيعة المواجهة بين المعسكرين الإيرانيين، وما اذا كانت ستُكرر المواجهة التي عرفتها انتخابات عام 2009، عندما تمكن “الحرس الثوري” من القضاء على انتفاضة “الإصلاحيين”، والتي كانت فعلياً أولى تباشير “الربيع” الذي قدم الى المنطقة العربية بعد عامين.
اما الصراع الدائر في سورية فينتقل الى هذه السنة ومعه كل احتمالات الدمار الشامل للبلد مع ما يرافقه من ارتفاع معدلات القتل، التي قدّر الاخضر الابراهيمي بلوغها مئة الف قتيل، فضلاً عن هجرة من يجد سبيلاً لذلك ممّن بقوا على قيد الحياة.
في القديم قال شاعرنا ابو الطيب:
لا خيل عندك تهديها ولا مال
فليسعد النطق إن لم تسعد الحال
ولأن الحال على ما هي عليه، لا نملك الا عبارة “كل عام وانتم بخير”، على أمل أن تكذب السنة الجديدة كل التوقعات “الجحيمية” في منطقتنا، وان نصحو فجأة على يوم لا تصدح فيه من شاشاتنا إلا أمواج الموسيقى الناعمة وأصوات السنونو والحساسين، بدلاً من القذائف والصواريخ وأصوات المتفجرات.