بقلم: النائبة حنين زعبي – صعدت الحكومة الأخيرة من عنصرية النظام، ووصل الأمر إلى حد تمرير قوانين أبارتهايد، قانون “لجان القبول”، لا تستطيع أصغر دولة في أوروبا أن تمرره ضد أضعف أقلياتها، أو ضد اليهود.
كما وصل الأمر لدرجة تمرير 8 قوانين عنصرية، مما يعني مضاعفة وتيرة العنصرية البرلمانية إلى حوالي 6 أضعاف ( 32 قانون خلال 59 سنة، مقابل 8 قوانين خلال 3 سنوات ونصف)، ناهيك عن تطوير قناعات ومسودات قانون تشترط ربط المواطنة نفسها بالولاء ليهودية الدولة.
بالإضافة لذلك تم وضع قاعدة سياسية تشرعن ملاحقة المحاضرين والجمعيات اليهودية “المارقة”. وتم الاستشراس في تهويد القدس وفي الاستيلاء على أراض الفلسطينيين الخاصة، بالإضافة لتلك التي تعود لملكية الشعب الفلسطيني.
وتم تجذير قناعات إسرائيلية، بأن العالم سيرضى بالنهاية عما تفعله إسرائيل، حتى لو خالف ذلك بعض المصالح الغربية، لأن ما يحرك الساحة الدبلوماسية في النهاية هو رضى إسرائيل عن الغرب وليس العكس.
الجواب الإسرائيلي على هذه السياسات كانت، بإعادة انتخابها. من اختار اليمين، أختار المضي في تلك السياسات، ومن اختار الوسط اختار أجندات أخرى لا تتعارض مع تلك السياسات. من اختار الوسط، لم يقل لا للعنصرية، ولم يقل لا للاستيطان، ولم يقل لا للدولة اليهودية، ولم يقل لا لاعتبار الفلسطينيين ضيوفا في وطنهم، رغم المواطنة. من اختار الوسط، لم يقل نعم للسلام، لم يقل نعم لحقوق الإنسان، لم يقل نعم للديمقراطية، لم يقل نعم لمكانة الفلسطينيين على وطنهم. من اختار الوسط اختار الهروب من تلك الأجندات أصلا، والذهاب لأجندات مختلفة تماما، وبعيدة عن الصراع السياسي مع الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر.
من اختار ليفني، اختار أجندات تتعلق بالولايات المتحدة (عدم الصدام المباشر مع الولايات المتحدة)، وبالمتدينين (الصدام مع المتدينين). من اختار يحيموفيتش، أيضا حزب وسط، اختار أجندات اقتصادية (سياسات اقتصادية لصالح الطبقات الوسطى)، ومن اختار لبيد، اختار زهرة من كل حقل (الصدام مع المتدينين، وسياسة اقتصادية أقل شراسة)، ولم ينس لبيد أن يختار مقولة تطبق من قبل الجميع لكن يتم الجهر بها من قبل اليمين: لا لحنين زعبي، أي لا للعرب.
لم ينس أكبر حزب بعد الليكود، أن يذكر العرب بأنه لا يقبلهم تماما كما لا يقبلهم اليمين. لقد خشي لبيد، كما خافت يحيموفيتش من قبله، أن يتم وضعه، خطأ، في خانة الأكثر تسامحا والأكثر ديمقراطية مع العرب. لكن، علينا أن نعلمه بأن خشيته هذه لا داع لها.
ولكي نعي أن مفهوم كتلة الوسط لا تعني إطلاقا الصدام مع مبادئ اليمين السياسية، إنما فقط مع تكتيكاته (وعلى رأسها في هذه المرحلة موضوع العلاقة مع الولايات المتحدة، وخطاب الكراهية المعلن للعرب)، علينا أن نتذكر أن من أسس لكتلة الوسط هو صاحب مذابح صبرا وشاتيلا: الجنرال إرئيل شارون حيث لم ينفصل عن الليكود ويؤسس كاديما، لقناعات سياسية أكثر اعترافا بحقوق الفلسطينيين، بل لكي يفرض مخططات تتعلق بإدارة الصراع، لم يوافق عليها الليكود.
أما الجواب العربي على السياسات العنصرية، فكانت: زيادة قوة التجمع. التجمع زاد بأكثر من 12 ألف صوت كما، وأكثر بكثير كيفا. ففي الوقت الذي يساوي فيه الصوت الذي يأتي بقناعة سياسية، في صندوق الانتخابات، وزن الصوت الذي يأتي ابتزازا أو تخويفا أو تهديدا (تهديد موظفي بلدية، انخراط موظفي بلدية في العمل الانتخابي)، فهو لا يساويه من ناحية وزنه السياسي ومساهمته في بناء الحركة الوطنية. الصوت في صندوق الإنتخابات الذي يأتي عن قناعة هو مدماك في مسيرة بناء الحركة الوطنية، أما الصوت الذي يأتي إبتزازا، فلا وزن له في صراعنا ضد النظام العنصري.
لقد زاد التجمع من قوته، وزادت الموحدة أيضا، أما الحزب الشيوعي الذي عارض الوحدة، فقد عاقبه جمهوره نفسه، وخسر رغم آلاف الأصوات التي ساقها غصبا إلى صناديق الاقتراع. لكن الأهم، أن زيادة قوة التجمع هي الزيادة الوحيدة التي تمثل ردا سياسيا مبنيا على مشروع وطني واضح.
لم تنته الانتخابات بعد، والحكومة لن تكون مستقرة على الأرجح، وتقع على كاهل التجمع الآن، مسؤولية وطنية من الدرجة الأولى، فهو المسؤول الأول والأخير، عن تثبيت الحركة الوطنية، تعميق جذورها، توسيع صفوفها، وتطوير آليات نضالها. لن تبنيها أحزاب لا تؤمن بالتنظيم القومي للعرب أصلا، ولن تبنيها أحزاب دينية تقصي جزءا من شعبنا، ولن يبنيها أستعراضيون، ولن تبنيها أصوات مقاطعة ( ولا أقول حركة مقاطعة، لأنه لا حركة مقاطعة منظمة، تناضل من خلال وسائل بديلة) لا تقاطع التمثيل البرلماني فقط، بل العمل السياسي برمته، وتعتبر الجلوس في البيت قمة الوطنية، وتؤدلج للخواء السياسي.
التجمع يملك مشروع نضال، واستراتيجية نضال واضحة، وقبل ذلك، يملك إرادة النضال وثقافته السياسية النظيفة، ولا وطنية دون نظافة سياسية. وتلك مسؤولية قبل أن تكون ميزة. ونحن لها.