موقف طريف استوقفني هذا الاسبوع اثناء انتظاري في الطابور في فرع البريدالذي كان يعج بالمنتظرين، حديث دار بين طالبين في المرحلة الثانوية على ما اظن، وهذا بعضٌ منه:
الاول : “عملتلها آد للمرة الثانية بس ما قبلت” .
الثاني: “طيب، وين المشكلة ؟ اعمل زي ما امجد عمل ، فتح حساب جديد باسم ثاني وضافها عنده!! .
الاول : “ما في مشكلة، ماهي اصلاً موجودة عل فيس عند اخوي الكبير، هي وكمان مدير المدرسة واكيد مش رح تقبلني صديق لانه في قانون بيمنع، هيك سمعت”.
الثاني: ممنوع؟؟ ليش ممنوع؟ قانون ايش هاذ؟ لا خيا هاي شوفة النفس عند المعلمين”.
وعندها عرفت ان الحديث يدور عن رغبة هذا الطالب في “اضافة” معلمته كصديقة على الفيسبوك، ولكن ولسوء حظه، لم يتسنّ له الامر وباءت محاولاته بالفشل، وتابعت في انتظاري لدوري كما الآخرين والذين كان معظمهم ما عدا كبار ألسن، منشغلاً في تفقد هاتفه الذكي ولا ابالغ اذا قلت انهم تحديداً يفحصون آخر مستجدات حسابهم الفيسبوكي، فقد استطعت تمييز الموضوع كون ان شاشات الهواتف الذكية الجديدة غدت اكبر وباتت تفضح اكثر واكثر بالرغم من تسميته بالهاتف الشخصي، وحتى انا شخصياً واثناء إصغائي للحديث الدائر بين الطالبين كنت اتفقد حسابي الخاص ولكن ليس بهدف الإتطلاع على رسائلي بل هي عادة لا إرادية غدت نأتي بها لربما لتمضية الوقت او لتجاهل الآخرين او حتى لنبدو وكأننا لا نصغي الى الجالسين بقربنا في مكانٍ عامٍ كما فعلت انا.
موقفٌ بسيطٌ وسيناريو ممكن ان يتكرر في اي مكان وزمان ولكن تستوقفني من خلاله بعض التساؤلات، فكلنا نعرف مدى اختراق الشبكات الاجتماعية عبر الانترنت لحياتنا وتأثيرها العميق على مناحيها المختلفة، فقد غزت ساحات احاديثنا اليومية على اختلاف اطرها، كلمات مثل لايك، كومنت، آد وبروفايل، والى آخره من المصطلحات اللاتينية وليدة عالم التكنولوجيا الاجتماعية وغدت تحل مكان مفردات عربية لطالما اثرينا بها احاديثنا وعبرنا عمّا يختلج نفوسنا من احاسيس وافكار ومواقف.
ولكن لحضور التكنولوجيا الاجتماعية في حياتنا وقعٌ ليس على المفردات فحسب انما على المفٍاهيم والقيم الاجتماعية وفي بعض الاحيان تعمل على اضفاء صبغات مختلفة لبعض المسلمات فقد تذكرت لوهلةٍ ذاك الطالب وكيف يسعى الى إضافة معلمته كصديقة افتراضية له على الفيسبوك، وفكرت في نفسي، اي صداقة ممكن ان تنشأ ما بين الطالب ومعلمته؟ ما هي الحدود التي يتوجب علينا مراعاتها؟ وهل يؤثر ذلك على ” هيبة ” المعلم في عيني الطالب؟
مع بداية العام الماضي أصدرت وزارة المعارف تعليماتها بمنع التواصل ما بين الطالب والمعلم عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي المتنوعة وهذا القرار لم يأتِ من فراغ، فقد أدت آلية التواصل مع المعلم خارج جدران المؤسسة التعليمية الى اختراق الطالب وبسهولة الشؤون الخاصة بأستاذه واستكشاف العالم الخاص بمعلمه وقدوته بما يحمل في طياته من سيئات وايجابيات، مما يؤدي نوعاً ما الى كسر الحواجز ما بين الاثنين ورفع الكلفة في التعامل وبالتالي يغدو المعلم اكثر عرضةً للانتقاد على سبيل المزاح والمرح والخوض في غمار الامور الخاصة به الأمر المؤدي الى اضمحلال الصبغة الرسمية للعلاقة ما بينهما، البعض ما زال يذكر الرهبة من المعلم الذي لطالما اتّسم بالجدية والوقار وصُوِّر كوكيل اجتماعي يقتدى به في بعض الاحيان والمواقف، ولكن بتغيير الظروف يتغيّر الانسان فتنقلب المفاهيم وتختلف التوجهات وتستمرالتكنولوجيا بأذرعها الملونة الاخطبوطية ترسم خارطة علاقات اجتماعية متجددة مع تقدم الوقت.
وأين المشكلة ؟