الوضع “بده” دفع والغاية تبرر الوسيلة! .. بيع الضمائر وشراء الذمم، اقذر ما شهدته انتخابات الكنيست الأخيرة! وأذكر يوما أن استاذ التاريخ علمنا ايام الصبا “الغاية تبرر الوسيلة” وهو قول للسياسي الايطالي ميكافيلي الذي جعل منه رمزا لحياته السياسية ابان عصر النهضة، قبل نحو خمسمائة سنة او أكثر.
ورغم نقاشنا مع ميكافيلي حول الفكرة والمضمون، إلا ان بعض الناس من يؤمنون بهذا القول وخاصة بعض الاحزاب العربية المحلية الذين تـبـنـوا هذا الفكر قولا وفعلا، فصار بقدرة قادر مشروعًا شرعيا لا يناقض وطنية ولا قومية! بل صار من شيم العرب وأخلاقهم وعاداتهم !!
وفي الواقع انه يوم شراء الضمائر “المتصلة والمستترة، الغائبة والمتكلمة” وفي هذا اليوم المشهود قانون التجارة بالربح او بالخسارة، هو الدفع قبل النفع ! ولأن الغريق على شفا حفرة من الهاوية، راح يبحث عن وسائل ومكائد وحيل للنجاة من الغرق والفضيحة!
وكما قيل: “الغرقان بترتح بحبال الهوا” فكان لا بد من صرخة قوية مدوية عابرة للقارات لتصل الفاعل المستتر وقائد الخراب في معقله: أن افتحوا الصنابير “فالوضع بده دفع”، وإلا “أكلنا هوا” امام العالم والناس وخصوصا الاعداء السياسيين! نعم، نعم انها الغاية التي تبررها الوسيلة! والصراع على البقاء هو سيد الموقف وبكل ثمن ! انه العار بعينه ان يتبنى بعض المواطنين الانتماء لحزب ما في يوم الانتخابات والترويج لمرشحيه ثم يرفسون بنعالهم الحزب وقادته في اليوم الذي يليه ! والتبرير عند هؤلاء هو انهم “قبضوا ” باليورو والدولار وألوان النقود المختلفة وتحقق الهدف وربحت تجارتهم، وهو موسم لا يتكرر إلا بعد سنتين او اكثر كما جرت العادة في هذه الدولة المهترئة سياسيا !
ان القابضين والقابضات من السادة والسيدات ليسوا احسن حظا من مقاولي الأصوات ولا من اولي الأمر في الأحزاب فالغاية تبرر الوسيلة شعار للجميع وفي كل المناسبات.. رايات وأعلام وشعارات رُفعت، لكنها كانت وهمية موسمية باعها قادة الحزب للفقراء والمساكين حيث لا مبدأ يسيرهم ولا قانون يحكمهم سوى المادة والمال ! رحم الله ابا الحسن وكرم الله وجهه يوم قال: “لو كان الفقر رجلا لقتلته”.
انه واقع مخز ومخجل ان يقوم احد اعضاء الكنيست بقرع ابواب الناس يستجدي على اعتابهم ويتوسل لكسب أصواتهم مقابل منحهم بطاقات نقدية لتعبئة وقود للسيارات بقيمة 700 شاقل ! انها ايام مخزية في تاريخ عروبتنا، ان يقتحم أفراد من الناشطين والناشطات من الحزبيين والحزبيات حرم المؤسسات الأكاديمية والجامعات، وان يدفَع للطلاب فيها منحة انتخابية قبل الانتخابات بأيام قيمتها 1000 شاقل مقابل الصوت الواحد ! انها خيانة للضمير واستهتار الانسان بقيمة الانسان!
ومن الذل الذي ما بعده ذل، ومن الكبرياء القاتلة، ان يدعي نائب كنيست عربي ان حزبه ادار المعركة الانتخابية بكل نزاهة وطهارة وخاضها بشفافية ومسؤولية، ويمتدح مؤيديه لأنهم التفوا حول حزبه ودعموه ! وهو يعرف تماما ان حزبه ما كان لينجو من الغرق لولا تلك الصنابير* السيالة المتدفقة التي دبت فيه الروح كآلة الاكسجين للمريض الميئوس منه!
لذلك الزعيم اقول: يا صاحبي ! انك تعلم جيدا ان المدد كان من صنابير مشبوهة وان الشرف والأمانة ليست من نصيبك ! ان مجتمعا شريفا وطاهرا يحترم كيانه، عليه ان ينتفض لمثل فعلتك الدنيئة الرخيصة .
في مذهبي ان سلوكا مشينا كهذا، هو اغتصاب وخيانة وزنا فاحش للضمير بكل اشكاله ويحدث في وضح النهار وتحت عباءة الليل وهو اقبح من عمليات الاغتصاب والتحرش في بلاد الهند !
قلتها منذ زمن ان هناك ازمة انعدام في الثقة بين القيادة والشعب، قيادات تغيب عن الناس وهمومهم وتستخف بهم وتعاملهم كحجارة شطرنج تستخدم وقت الحاجة وتزاح وتنزاح في كل الاتجاهات بمرونة مطلقة! تميل حيث مالت الريح .. ان المجتمع المسحوق الذي ما زالت الدولارات واليوروهات المستوردة تجعله يركع وينحني امام السيد ليوم واحد فقط! هو مجتمع محزن ومخدر وصلت به الثمالة الى الغيبوبة ولذا فهي فرصة مواتية وسانحة للمغتصبين ان يفعلوا به الافاعيل أنى شاءوا!!
وبعد كل هذا نسأل: هل سيأتي يوم تجف فيه الصنابير ؟ وماذا لو جفت الصنابير ؟ يا ترى عندها كيف سيكون المصير ؟
• الصُّنْبُورُ أَداة تسمح بمرور سائل أو غاز للحصول عليه، وتطلق اليوم على ما يسمَّى : الحنفية.