حين تقع جريمة قتل في الطيبة فإن اول ما يتبادر الى اذهاننا هو الاستفسار عن هوية الضحية لنطمئن على ابنائنا، ثم يأتي دور الاسئلة عن دوافع ارتكاب الجريمة والتكهنات الاخرى حولها.
تمر ايام العزاء الثلاثة بسرعة وينصرف المعزون كل الى طريقه يعالج هموم حياته، وتبقى عائلة الفقيد تصارع آثار الفاجعة بكل ما اوتيت من قوة صبر ورباطة جأش.
قد يتمكن البعض من ذوي الفقيد ان يواسي نفسه بما يخفف عن حاله مصابه الأليم، وقد يجد البعض لحزنه منفذا في انشغالاته اليومية، إلا ان لا شيء في هذه الدنيا برمتها يمكنه ان يواسي أم الفقيد. فكلما بردت الفاجعة لدى الآخرين كلما زادت حرقتها لدى الأم، وكلما ايقنت ان فقيدها لن يعود كلما انتظرته بإصرار اشد، وكلما غاص الحدث في الماضي كلما زاد اشتياقها اليه اكثر. لا زمن ينسيها ولا هموم اخرى تشغل بالها ولو للحظة. كل ما يهمها متى يعود الغائب…؟
موقع “الطيبة نت” يحاول من خلال هذا الفيلم الوثائقي ان يلقي نظرة على الجانب الآخر من الألم، ذاك الذي لا ينتهي مع مرور الايام، الألم الذي لا تخف لسعته. انه ألم الام الثاكل التي تبقى تنتظر عودة ابنها رغم انها سقت منذ قليل الزهور على قبره.
لقد عرفت مدينتنا كثيرا من الآلام وتجرعت عائلات كثيرة مرارة ما لا يحتمل من احزان فهل كان بوسعنا تجنبها ؟ نحن لا نخوض هنا في ابعاد الجريمة سوى ما يتعلق بالأم التي لا احد ينتبه الى ما تعانيه من وجع غائر.
الجريمة لا تنتهي بدفن الفقيد ولا بإلقاء القبض على الجاني، انها الجرح الذي يدمي الى الابد في قلب الام الثاكل. فهل بوسع احدنا ان ينظر ولو للحظة في عينيها دون ان يشعر بالتقصير لأنه لم يبذل ما يكفي من جهد لتوثيق اواصر المحبة والتآخي والتقارب بين ابناء البلد الواحد، بلدنا جميعا الطيبة ؟
الحاجة ام محمد (برانسي) هدهد تقول بأعلى صوتها: نحن نحب كل العائلات وأنا لا اتهم احدا بقتل ابني! علينا ان ننتبه الى ان مدينتنا جميلة وتتسع للجميع! نحن نرفض الموت بقرار آدمي ونرفض العنف والفوضى وعلينا ان نفسح المجال للتسامح يعيش معنا. كفانا ما تجرعنا من ألم.
لم يهدأ بال الام منذ الثالث من مارس عام 2010 يوم فارقها ابنها الى الابد وهو في السابعة والعشرين من عمره. لا زالت تراه في كل شيء من حولها لدرجة انه حين تحط حمامة على شرفة منزلها تحسبها حاملة اليها السلام من الغائب الغالي. انها ام فقدت ابنها ! لا اراكم الله مكروها بعزيز!