المقصود بالمنسيين هو أهالي قرية جسر الزرقاء القرية العربية الوحيدة الباقية على شاطئ المتوسط في فلسطين التاريخية. فمع صدور عدد اليوم ونشر هذا المقال، أكون قد توجهت وعائلتي إلى قرية جسر الزرقاء ، تلبية لدعوة جمعية بسملة ، لإحياء يوم التراث الفلسطيني في القرية التي نسيها العرب على شاطئ المتوسط، وسرق جيرانها اليهود منها زرقة البحر، وحقها في أن تكون قرية سياحية كباقي القرى والبلدات القائمة على شاطئ المتوسط.
وجسر الزرقاء قرية نسيها أهل البلاد لسنين طويلة ولم يلتفتوا إليها ولا إلى مشاكلها لدهر من الزمن، بل إننا وهذه الحقيقة ترفعنا دائما عن القرية وعن مشاكل أهلها “واستسهلنا ” ترديد النوادر والنكات عن قرية ناءت لفترة طويلة تحت ظلم السلطة ، من جهة، وتهرب العرب في البلاد منها من جهة أخرى.
وأذكر أن التجمع الوطني كان الحزب الأول الذي بادر عام 2001 أي بعد هبة القدس والأقصى إلى الالتفات إلى القرية، يومها كنت أحرر للحزب صحيفة “أخبار المثلث”، وكان الزميل والرفيق محمد محسن وتد بمثابة “عزات” (من النكتة عن الجيش العراقي والحوار المتداول بين الرئيس الشهيد صدام حسين والجندي العراقي عزات) ) الوحيد في الطاقم، وأعددنا في شهر شباط من ذلك العام، وبإيعاز من زعيم الحزب، المفكر الدكتور عزمي بشارة، ملفا خاصا عن القرية، أعد فيه محمد تحقيقا مميزا تناول مشاكل القرية، وطبائع السياسة المحلية فيها على استبداد القائم على رأس السلطة بكل موارد القرية، لنكتشف من خلال التحقيق أن القرية المنسية على الشاطئ المسروق تعيش حراكا سياسيا مثيرا وحركة معارضة شديدة.
في المقابل ساهمت بدوري في الملف بكلمة العدد التي دعوت فيها الناس للاصطياف في جسر الزرقاء، رغم أننا كنا في عز الشتاء. وأثار العدد يومها اهتمام سكان القرية من موالين للحكم ومعارضين، وظلت أسئلة كثيرة معلقة في الهواء… ومرت الأيام وزاد ترفع الجيران وبلغت بهم العنصرية حد إقامة سوار ترابي وآخر من الباطون المسلح عله يخفي جسر الزرقاء ويمحوها من الأفق فيستريح سكان قيساريا وهم يلقون بنظرهم إلى الجنوب فلا يرون بيوت العرب ولا عشش الصياديين، وها هي اليوم تحولت إلى قرية للصيادين، كما بشرت الدعوة التي تلقيتها من الجمعية.
في جسر الزرقاء اليوم جيل جديد لم يسكن إلى رغبة السلطة، وأبرز تحديه لها أولا بالتصويت بشكل لافت للتجمع الوطني وتراجع أحزاب السلطة واليسار الصهيوني، ووسط هذا الجيل زميلنا وصديقنا سامي العلي، الصحافي الشاب الذي انخرط اليوم في السياسة الحزبية، لكنه لم يغب يوما عن قريته ولاعن همومها،بل إنه يعمل كخلية نحل، أو قل وكالة أنباء ، فكلما دق الكوز بالجرة تجد أخبار جسر الزرقاء فيكل مكان ، في مواقع الانترنيت والفيسبوك، والصحف ، العربية منها والعبرية، فأعرف أن وراء هذه الضجة الإعلامية سامي العلي ولا أحد غيره.
على كل حال إلى جانب تلبية الدعوة لسامي العلي وجمعية بسملة سأكون في جسر الزرقاء، أيضا لمشاهدة الفيلم الوثائقي عن القرية، وقد يكون الحديث عن الفيلم الذي أعده وإخرجه والدي الصحافي والسياسي الراحل، محمد وتد، حيث أعد في أواسط السبعينات سلسلة من الأفلام الوثائقية عن عدة بلدات وقرى عربية في البلاد ضمن برنامجه الأسبوعي جولة في القرية، قد يكون نفس الفيلم لأن سامي أبلغني أنه عجل الأسماء (الرول) غير متوفر في النسخة التي ستعرض الجمعة، مع ذلك آمل أن يكون الفيلم هو نفس الفيلم الذي أعده والدي، وبذلك تكون فرصة لبناتي وابني أن يشاهدوا شيئا من عمل جدهم الذي توف يقبل أن أتزوج بعام واحد.
برنامج يوم التراث في جسر الزرقاء اليوم، يؤكد صحوة أهالي القرية ويؤكد أكثر من أي شيء أن هؤلاء “المنسيين” على الشاطئ لم ينسوا ماضيهم ولا تاريخهم بل إنهم يذكرونه جيدا ويحفظونه لينقلوه بدورهم للأجيال القادمة، في نشاط مميز يأتي يوما واحد قبل الذكرى السنوية ليوم الأرض، فيكون يومهم هذا درب مميز في الحفاظ على الأرض والذاكرة والتاريخ وإن سرقوا زرقة البحر من رمال شاطئهم.