الموت الموت لليهود ! – بقلم: بسح هاوسبطر *
“الموت الموت لليهود!” صرخت آلاف حناجر النساء والرجال والشيوخ والأطفال في صباح أحد أيام سنة 1895 في باريس. هذه الهتافات الفظيعة تركت أثرا لم يُمح في أعماق بنيامين زئيڤ هرتسل، مراسل صحيفة “نويا بريا برسا” في ذلك الوقت.
الضابط ألفرد درايفوس، يهودي اندماجي (أي أنه يؤمن باندماج اليهود ثقافيا واجتماعيا في محيطهم المعيشي)، كان السبب في انفجار موجة الغضب هذه من الجمهور المعادي للسامية، الذي ملأ الساحة التي تم فيها نزع رُتب درايفورس العسكرية على الملأ. لم يصيحوا هاتفين بالموت لدرايفوس ولم يصيحوا هاتفين بموت شخص واحد، لقد صاحت الجموع بهتاف الموت لجميع اليهود، كل اليهود دون أي استثناء.
ها نحن اليوم، بعد مرور مئة سنة تقريبا على هذا الحدث المركزي في تاريخ الشعب اليهودي، تصيح آلاف الحناجر في “عاصمتنا الأبدية” القدس، “الموت للعرب! الموت للعرب!” وماذا عن الأطفال العرب؟ والنساء والشيوخ الذين لا ذنب لهم؟ هذا الأمر لا يهم آلاف المُشجعين. لقد تحول الهتاف بقتل العرب منذ مدة طويلة إلى هتاف تشجيعي شرعي ومقبول، تحول هذا الهتاف إلى جزء من المشهد الإسرائيلي العام فتحولت الصدمة إلى أمر مقبول من قبل الجميع. “هذا هو الموجود، ماذا بوسعنا أن نفعل..؟”، يقول حكمائنا.
سنوات طويلة تجاهل خلالها الجمهور الإسرائيلي بقياداته وأدبائه وشعرائه ورجال القانون فيه جميع أطياف الشعب، ان هذا الهتاف المتواصل المتنامي والصاعد والذي ينادي بقتل الأبرياء لم يولد صدفة، ولّد داخلنا مرض العنصرية والتي قد تتحول إلى مرض لا شفاء منه. عنجهية الشرطة “سنقضي على المُشجعين العنيفين”، تؤكد ليس على التواطؤ فحسب، بل أيضا على التعاون الخفي بين جميع الأطراف الواقفين بعيدا ويتفرجون على هذا المشهد المريض. أولئك الذين منحوا الشرعية لكتاب “توراة الملك” (كتاب عنصري يتحدث عن أصول قتل الأغيار في أوقات الحرب والسلم) ومن بينهم رئيس حكومة إسرائيل الذي شارك في احتفال مؤسسة دينية، حضر فيها “الحاخام” دوفلييئور وهو “الحاخام” الذي أفتى أنه بحسب الشريعة اليهودية يمكن قتل الجنين، فقط لأنه ليس يهوديا!!
نفس جهاز الشرطة الذي يتباهى بأنه يعالج المُشكلة الآن، وقف عشرات السنوات في ملاعب كرة القدم فيما كان المُشجعون يصرخون باصوات عالية “الموت الموت للعرب!” ولم يحرك ساكنا.
أخيرا وليس آخرا النيابة العامة التي لا تزال تصر على عدم تقديم أي من المتورطين في عمليات “دفع الثمن” (تاغ محير) للمحاكمة، ها هي تظهر فجأة وكأنها مصدومة من الأمر.
مع كل ذلك لا بد من التأكيد أن المُذنبين الحقيقيين هم نحن- الجمهور. جاء في كتاب التلمود البابلي: “من سمح لأهل بيته بالقيام بأمر لا يليق فهو المسؤول، ومن سمح لأهل بلده فهو المسؤول ومن سمح للعالم فهو المسؤول عن العالم بأسره… وأيضا- “إذا أذنب الوزراء- فما ذنب الحكماء؟ ذنب الحكماء أنهم لم يقوّموا الوزراء.” (التلمود البابلي، شبات، نون دالت عاين بيت). لم نعد في المنفى، إنما في دولتنا اليهودية الديمقراطية وكل لحظة تمر دون أن نتحرك لوضع حد لهذا الهتاف الحقير، يصبح الأمر جريمة في رقابنا جميعا- رقاب جميع أجزاء الشعب. هناك من يقول أن اصلاح الأمر ما يزال ممكنا. لبرهنة هذه المقولة يجب القضاء على جرثومة العنصرية بكل الوسائل الروحية والثقافية والتربوية والجماهيرية، هذه الجرثومة تكبر وتتكاثر في مجتمعنا دون أي رادع، لا يتوجب علينا انتظار سلطات تطبيق القانون على مختلف أنواعها، فهي ستتبعنا. النضال الراسخ والمتواصل الذي يهدف إلى القضاء على هذه الآفة هو السبيل الوحيد لتحويل هتاف “الموت للعرب” بين الناس إلى جريمة نكراء توازي جريمة القتل، جريمة ينبذ صاحبها من كل طفل وطفلة ومن كل امرأة ورجل في إسرائيل حتى اختفاء العنصريين عن بكرة أبيهم فنُطهّر مجتمعنا من أشكالهم. إذا لم نتحرك سيكون ذلك عار على جبيننا- عار على جبين الشعب اليهودي بأسره- إلى أبد الآبدين.
*بسح هاوسبطر – هو الأمين العام لمنظمة الشبيبة العاملة والمتعلمة ، وهي منظمة يسارية- اشتراكية ديمقراطية- تنظم في صفوفها الشباب اليهود والعرب وتعتبر اكبر منظمة شبابية في اسرائيل.
اتفق معك تماما ولكن للأسف لا يكفي الكلام علينا ان نفعل في هذا الإتجاه ونشد على ايدي بعضنا البعض فخطر العنصرية يهددنا جميعا