عندما يشخص الطبيب سبب مرض شخص ألا يتضمن ذلك تحذيراً للمريض ونصحاً ضمنيّا له بالامتناع عن تناول ما يضر بصحته ؟ فأنا مثل غيري من الكتاب إما أن أشير الى الحل مباشرةً أو ضمنياً وطالما يحتاج بعض القراء الى حلول واضحةٍ ومباشرةٍ فالأمر ليس صعباً إطلاقاً وقد ذكرها الكثيرون قبلي.
المشكلة المستعصية تكمن في أن نتعامل مع هذه الحلول ونضعها نصب أعيننا ونطبقها دون خوفٍ أو وجلٍ وأن تكون لدينا أصلاً الرغبة في تطبيقها والإرادة والقدرة على تطبيقها فما الجدوى من حلولٍ تقال ليل نهار دون أن تكون لدينا الأنفة والكبرياء والإباء والعزة والكرامة والشجاعة التي تمنعنا من السكوت على الفساد والاستبداد والظلم والاضطهاد.
صلاح المجتمع أو الأمة مرهون ومشروط بصلاح الفرد وأنا لا أستطيع المطالبة بصلاح كل فرد وفرد وهذه غاية لن تنال ولكل قاعدة شواذها ولكن على الأقل من المفروض أن تكون غالبية المجتمع صالحة، ولكي يصلح الفرد عليه أن يتحلى بصفات كريمة ويتسلح بقيم أخلاقية عالية وأنا لا أجدد في ذلك هذه أمور قيلت قبل ألاف السنين وتعاد كل يوم ولا حياة لمن تنادي.
إن الله سبحانه وتعالى حدد لنا ما نفعله وما لا نفعله أليست هذه الحلول الربانية كافية لإصلاحنا فلماذا إذاً نعد اليوم من ضمن الشعوب المتخلفة؟ لماذا لا نستطيع أن نتخذ مواقف أكثر حزماً لمواجهة أعداء أمتنا؟
الجواب بسيط جدا لأن الفرد في المجتمعات العربية ضعيفٌ, واهنٌ, خائف أو مذعورٌ خوفه من السلطان أكثر من خوفه من الله سبحانه وتعالى مع اننا جميعا سبق وأن تعلمنا “أن رأس الحكمة مخافة الله” فإذا كان السلطان فاسدا ومستبدا وظالما فمن المفروض أن يقوّم وأن يحاسب على غيّه وظلمه واستبداده واضطهاده لشعبه فلماذا إذا لا يزال هؤلاء المستبدين متربعين على سدة الحكم يتحكمون بمقادير الشعب والأمة ويمتلكون الأرض وما تحتها وما فوقها ؟
لماذا نسكت ونصمت صمت أهل القبور بينما تدوس قدم السلطان على رقابنا ؟ ماذا بإمكاني أن أعمل لوحدي فقد قيل “من رأى منكم اعوجاجا فليقومه بيده أو بلسانه أو بقلبه وذلك أضعف الإيمان” وقلم الكاتب هو سلاحه أي لسانه فما عساه أن يفعل أكثر من ذلك على الأقل هو أفضل بكثير ممن يقاوم الظلم بقلبه أو ممن يساند الظلم ويدعمه طمعا بمحبة السلطان والتقرب منه أو الحصول على فتات منه.
في الماضي كانت الشعوب المستعمرة تقاوم المحتل حتى تقلعه وتكنسه من بلادها فهل لأحد أن يدلني على شعب نجح في ذلك بدون تضحيات ؟ هل حرّرت الجزائر مثلاً برش الورود والرز على المحتل الفرنسي ؟ ما الفرق بين محتل أجنبيّ ومحتل من صنع محليّ ؟ وقد قيل أيضا “وظلم ذوي القربى أشدّ مرارة على المرء من وقع الحسام المهند”، فلماذا إذا نرضى بالذل والمهانة ؟ هل ذلك ناتج عن خوفنا من الموت ؟ هل افتتح المسلمون العالم القديم لأنهم كانوا حريصين على الحياة أكثر من حرصهم على الموت أم العكس من ذلك هو الصحيح؟ أنى للكفار أن يهزموا جيشا حرص جنوده على الموت أكثر من حرصهم على الحياة ؟
إن المواطن الذي لا يفدي وطنه بروحه لا يستحق أن ينعم بحبة تراب من تراب هذا الوطن والشعب الذي يقبل بالذل نهجا لحياته لن يجد لنفسه وطنا لأنه يترك بذلك أبوابه مفتوحة أمام أطماع الغزاة والعراق وما أدراك ما العراق خير دليل على ذلك.
والطيبة ما هي إلاّ دولة صغيرة وما ينطبق على جميع الدول العربية ينطبق عليها وما ينطبق على جميع الشعوب العربية ينطبق على شعبها أي علينا نحن أبناء الطيبة. ما الذي فعلناه وما الذي سنفعله في المستقبل كي ننقذ الطيبة من الضياع الذي تنحدر اليه كل يوم؟
والآن والذئاب قد بدأت تستعد لخوض الانتخابات البلدية (إن جرت في الطيبة أسوة بغيرها من المدن والقرى الإسرائيلية) من منا يستطيع ان ينكر أن الطيبة في وضع مزرٍ ومؤلم ومؤسف والحل بسيط جدا أن نمتنع عن انتخاب من لا يصلح لقيادة البلد.
لماذا يكون انتماؤنا عائليا او قبليا ؟ لماذا لا نتحرر من هذا القيد بحيث ندلي بصوتنا للأفضل حتى ولو كان تعداد عائلته عشرة افراد؟ أم أننا نعقد الصفقات الشخصية الأمر الذي يغذي العداء المستمر بين أبناء البلد الواحد ؟ تريدون حلاً ؟ تفضلوا اليكم الحل، حكموا ضمائركم بدلا من ان تحكموا مصالحكم الخاصة على حساب المصلحة العامة جاهلين أن مصلحتنا الخاصة لو كانت شريفة لتحققت لنا من خلال المصلحة العامة فالحارة التي تخلو من المرافق الحيوية والأساسية لا تتم إلاّ بتضافر الجهود الجماعية.
إذا فكر الفرد بمصلحته فقط لن تتحقق المصلحة العامة وسيبقى البلد متخلفا والشلل بعد ذلك يصيب الكل فظاهرة العنف المتفشية في الطيبة قد تطولك في يوم من الأيام إمّا مباشرة أو بصورة غير مباشرة والشوارع التي تفتقر الى الزفتة مع ان كل نواحي حياتنا مزفته تضر بنا جميعنا سواءً كنا راكبين سيارتنا أو سائرين فالحفر المليئة بمياه المجاري ستنال منا ان مرّت سيارة بنا ودخلت البركة الآسنة ورشقتنا بمياهها ولم يحاول السائق أصلا تفاديها فهو في نعيم داخل سيارته الفاخرة والمشاة ليذهبوا الى الجحيم وكأنه نسي أنه سيكون ماشيا هو أيضا ربما بعد ثوانٍ .
ثمّ لا بد لي من همسة عتاب لموظفي البلديات او المجالس المحلية , كيف تسمحون لأنفسكم أن تصبروا على عدم استلام رواتبكم مدة شهور متوالية قد تصل الى ثلاث سنين وربما أكثر ؟ والأمر مستمر منذ سنين وليس قاصرا على فترة هذا الرئيس أو ذاك بل على مدار فترات رؤساء عديدين , فلماذا تصمتون ؟ أنا أقول لكم لأن هناك دائما قسماً من الموظفين ممن يوالون هذا الرئيس أو ذاك لأنه هو الذي عيّنهم ووظفهم ولذلك لن يتخذوا أي إجراء قانوني ضده ضاربين احتجاج الآخرين ونضالهم القانوني عرض الحائط وعندما تدور الدورة ويتغيًر الرئيس السابق يسرع الذين تقاعسوا سابقا الى استلام راية النضال بينما يتقاعس ويتخلف اولئك الذين كانوا يناضلون سابقا وهكذا دواليك والحل هو أن يتحد جميع الموظفين كي يقفوا في وجه الظلم والغبن وقفة رجل واحد بغض النظر من هو رئيس المجلس المحلي أو رئيس البلدية.
أخذت الموظفين كمثال ويمكننا أن نلقيه على كل فئة أو شريحة من فئات وشرائح مجتمعنا ليس في الطيبة فحسب بل وفي كل مدينة أو قرية عربية. فالمعلمون والاكاديميون والعمال وأصحاب المهن المختلفة وأولياء أمور الطلاب والطلاب أنفسهم وغيرهم كلهم تنقصهم الوقفة الواحدة أمام كل أشكال الفساد لغرض في نفس يعقوب.
يكفي أن أقول أنني اليوم اضطررت الى الذهاب الى بريد الطيرة وغيري يذهب الى قلنسوة أو كوخاف يائير لقضاء معاملات بريدية. مش عيب ؟! ومن المسؤول ؟ أكيد مش إحنا..
صدقت يا استاذي ولكن لقد اسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي