ماذا لو يستدير حنظلة ؟ هل سيعذرنا على ما نحن عليه ؟ وهل ستتضح له صورتنا فورا ام انها ستبقى غامضة لا تجدي معها أي تفسيرات.
اين سيصب حنظلة اولى جرعات غضبه وهذه البقعة المسكينة من الأرض، لم تعد تحتمل اي مزاودات ؟ حتى اظهار الحب، اصبح يقتصر على مساحة الصلاة كما نحو الخالق نصلي، فيسمعنا، نصلي من اجلها فتسمعنا.
غضبه سيكون على الجميع وعدم غفرانه للسذاجة المستشرية في العقول، لا يتنافى مع مشاعر المحبة واحترام الطيبة والشهامة والكرم وكل الخصائل الاخرى التي بدأ عهد انقراضها من العالم وبقيت متجذرة داخلنا.
غضبه الاول منصب على هذه التراكمات من الغبار والقبح والقذارة التي تركناها تغطي جمال الوجه وإشراقة المحيا ونضارة الجسد اليافع بخصوبته وخضرته وسهوله ومرتفعاته وجداوله.
لو عاد ناجي العلي، ماذا سنقول له ؟ اي شجرة في هذه الارض سنهديه ؟ دموعه التي سيبكيها لن تكفي لتطهيرنا من خطيئة استشهاده هدرا.
سيهمس في أذني حنظلة وهو في طريق عودته الى منفاه الازلي غير اسف على ما ترك وراءه: انت محق لا تدر وجهك ابدا في اتجاهها، لأنك ستجزع.
وغسان كنفاني العائد الازلي الى حيفا. اي ملامح سيتبين منها ؟ هل سيتعرف على وجه معشوقته التي دفع عمره مهرا تحت قدمي تمنعها ؟
ببساطة، ينهار المرء امام بقايا البيوت الطينية المهجورة وقد اكتسى ما بقى صامدا من اسطحها المقوسة بأعشاب يابسة وبمسحة مؤلمة من الحزن الاسود.
اتخيل اعناقا ما زالت تتدلى منها مفاتيح العودة فيبكيني المشهد ويبكيني مشهد رجل طاعن احدودب ظهره وغارت اخاديد الزمن في وجهه وذابت ملامح الفرح، لكن العيون ظلت مضاءة بشعلة النظافة والطيبة والاعتزاز العربي والتمسك بالشرف.
يا الهي، اتخيل ضحكة مكتومة لامرأة كانت سيدة ذلك البيت وهو ملفع بالعز. اتخيلها فوق الفراش الممد على مصطبة البيت. اتخيل اولادها الغارقين في احلامهم الطفولية السعيدة. اتخيلها تتمنع على طريقة المرأة العربية ووجنتاها مضرجتان بحمرة الخجل. وفجأة يتوقف المشهد.
ستار ومشهد جديد لشاحنات تنفي الاحلام الى ما بعد الحدود.
قل لي، يا من تقرأني، اي عربي مهما كانت قساوته، عندما تقشره جيدا، الن ترى داخله هذا المشهد ؟ انه مشهد نكبتنا الذي ما زال يتواصل حتى اليوم في ثياب جديدة يلبسها مثقف عربي ازعجهم صوت احلامه.
مع تحيات اخوكم ابو الزوز
(هذا المقال كتبته قبل عدة سنوات وأرسله للنشر في “الطيبة نت” لاقتراب ذكرى النكبة)