كتب شكسبير مسرحيات عديدة منها تراجيديا وكوميديا وتراجيكوميديا، وفي هذا المقال سأتطرق الى النوع الأخير أي التراجيكوميديا.
في هذا النوع من المسرحيات يمزج الكاتب بين عنصر الفكاهة والمرح وعنصر الحزن والألم. فأحيانا يضحك المشاهد عندما يرى مشهداً ساخراً وأحيانا يتألم وربما يبكي عندما يرى مشهداً مؤلماً وحزيناً. يضحك المشاهد حينما يقع الشرير في الحفرة التي حفرها لبطل المسرحية ويتألم حينما يقع البطل فيها.
والسخرية في مثل هذه المسرحيات تعتمد على الموقف ذاته حينما تظنّ شخصية ما بأنها مهمة ولها دور فعّال ولا يمكن الاستغناء عنها وأنها المنقذ والمخلص الوحيد بينما هي عكس ذلك تماما.
إحدى مسرحيات شكسبير التي كتبت قبل عدة قرون تتحدث عن مدينة معينة ولنسميها “الطيبة” ملائمة لعصرنا هذا. هذه المدينة أي “الطيبة” سارت وما زالت تسير من مصيبة الى مصيبة أكبر، ومن انحطاط الى انحطاط أعمق، وذلك لفساد حكامها على اختلاف انتماءاتهم العائلية والحزبية. والسخرية تكمن في أن الأهالي يعرفون سبب الداء ويعرفون ايضا الدواء المناسب لمثل هذا الداء ولكنهم لا يتناولونه بل ويصرون على عدم تناوله والأدهى والأنكى من ذلك أنهم يتمسكون بحكامهم ويعيدون انتاجهم المرة تلو المرة ناسين أو متناسين فسادهم الذي كان وما يزال السبب الرئيس لكل ما عانته وما زالت تعانيه مدينة “الطيبة” من ويلات.
ومن المواقف الساخرة أي المضحكة والمبكية في آن واحد، أن تجد نفس الأشخاص الذين أوصلوا المدينة الى الهاوية أكثر الناس تذمّرا وبكاءً وحرقةً وألما. يا لها من دموع سخية تذكرني بدموع التماسيح. يا لها من مسرحية يتفوق فيها الممثلون على أنفسهم. هم هم نفس الممثلين مع إضافة ما للكوراس، هو هو نفس الخطاب، هي هي نفس الشعارات. لم يتغيّر شيء إطلاقا سوى المسرح والراوي.
ويذكرني المشهد العام للخيمة بمجلس السينات الروماني حيث قام الشيوخ بإلقاء خطبهم الرنانة والحماسية التي كانت تهدف أول ما تهدف اليه إلهاب الجماهير وجذب انتباههم وبالتالي استمالتهم والحصول على تقديرهم والإعجاب بهم ناسين ومتناسين أن فسادهم هو ما خرّب ودمر روما القديمة بعد ان كانت مركز العالم القديم.
والسخرية أيضا كامنة في أن شخصيات المسرحية لا يدركون أنهم ممجوجون وأن الجمهور سئم من مشاهدتهم وملّ من خطاباتهم الصارخة والفارغة مثلها مثل الطبول عالية الصوت لكنها جوفاء من الداخل.
هل حقاً لا نستطيع الإستغناء عنهم ؟ هل حقاً هؤلاء الممثلون هم المنقذون الوحيدون لمدينة الطيبة ؟ هل حقاً عزّ في الطيبة الرجال ؟ هل حقا تفتقر الطيبة للمبدعين والمفكرين والخبراء والمختصين ؟ هل حقا لا دور للشباب في الطيبة ؟ هل هم مجرد نسخ مكرورةٍ ودمى تحركها العائلية ؟ هل حقا فقدوا الحسّ الوطنيّ ولم تعد قضايا بلدهم ومجتمعهم مهمة بالنسبة لهم ؟ هل حقا من يرشحون أنفسهم لرئاسة روما هم أفضل ما يمكن لها أن تقدم ؟ وهل سنبقى ندور حول الساقية معصومي الأعين ؟
وأخيرا أهمس في أذن كل عضو من أعضاء مجلس السينات قائلا: متى تدرك أن الشعب لا يريدك وسبب لا مبالاته كامن في أنك لم تعد مهما بالنسبة له. لتفهمنّ يا هذا ما عدت قائدا ولم تكن أصلا قائدا وهنا مربط السخرية فهم لا يدركون ذلك وما يزالون يعتقدون أن انقاذ الطيبة لا يتحقق إلاّ على أيديهم وهذه هي الكارثة والطامة الكبرى. ما الذي يستطيعون تقديمه لطروادة بعد أن دمروها. انتهت المسرحية وأنتم ايها الشباب عليكم كتابة المستقبل بأيديكم.