في استطلاع جامعة ارئيل: لا فرق بين اليسار واليمين
بقلم: رشيد شاهين – جاء في استطلاع قام به معهد “غيؤوكرتوغرافيا” لصالح الجامعة الاستعمارية “أرئيل”، القائمة على أراض فلسطينية محتلة ومسروقة، بأن غالبية عظمى تصل إلى 80% من الجمهور الصهيوني، يؤيدون إبقاء الاحتلال في الضفة الغربية بشروط ومضامين مختلفة.
ويستدل من هذا الاستطلاع، الذي لم ينشر على نطاق واسع في وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية، أن لا فرق بين “المستطلعين” من حيث الانتماء أو التصنيف الأيديولوجي، حيث تشير النتائج كما تم نشرها في وسائل الإعلام، ان 60% ممن يعتبرون أنفسهم من قوى اليسار الصهيوني، يرون ان على دولة الكيان ان تقوم بفرض سيطرتها على الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية إما كليا أو في أفضل الأحوال جزئيا.
النتائج المشار إليها بحسب اعتقادنا، ليست صادمة، ولا تعتبر بأي حال من الأحوال مفاجئة، فهي تعكس الطبيعة الحقيقية لهؤلاء المستعمرين، حيث من غير الممكن ان يكون القادم من أصقاع الدنيا ليطرد عائلة فلسطينية، ويحتل بيتها، ويشردها، ومن ثم يقبل “بنفس راضية مطمئنة” السكن مكانها، دون أي إحساس بذنب أو ملامة، يحمل أي من أيديولوجيات الدنيا التي لها علاقة بالإنسان والإنسانية.
ما درج عليه العالم بما في ذلك نحن العربان، من تقسيمات وتصنيفات، والقول بان هنالك يسار وهنالك يمين في المجتمعات، لا يمكن ان تنطبق على كيان امتهن سياسة عرقية بغيضة، تقوم على نفي وإنكار الآخر، الذي هو في حالتنا الإنسان الفلسطيني، وهي بتقديرنا تقسيمات وتصنيفات، كانت من اجل تبرير الوقوف مع هذا الكيان، ومحاولة لإعطائه الشرعية والرخصة للبقاء، حتى لو جاء ذلك على حساب شعب آخر مكث على هذه الأرض منذ آلاف السنين.
ما ورد في حيثيات الاستطلاع، يؤشر بشكل لا يقبل الشك، ان هؤلاء المستعمرين مستمرون في غيهم، وهم لا يتورعون “كما أشار الاستطلاع” عن محاولة إلغاء وطن أو قطر آخر اسمه الأردن، بعد ان حاولوا إلغاء فلسطين من على خريطة العالم، وهم من خلال قولهم ان هنالك وطن آخر هو الأردن يمكن للفلسطينيين إقامة دولتهم فيه، إنما يؤكدون على عقليتهم الاستعمارية، التي لا يضيرها ماذا يمكن ان يجري لشعوب العالم الأخرى، وانهم على استعداد لإلغاء أي بلد وأي شعب آخر، في سبيل الإبقاء على مشروعهم الاستعماري الاستيطاني.
استطلاع الجامعة الاستيطانية، يعود بنا إلى محاولة بعض الماركسيين الفلسطينيين والعرب في بداية السبعينيات من القرن الماضي، الذين حاولوا “التنظير” لمقولة التناقضات الحاصلة في مجتمع الكيان، وراهنوا على صدام بين مكونات هذا المجتمع، وبالتحديد بين السفارديم والاشكناز، او بين الطبقات المسحوقة التي يمثل اليهود الشرقيين حطبها، وبين الطبقات النخبوية والتي يمثلها اليهود الغربيين.
هذا التحليل وهذه القراءة التي لازالت موجودة في ذهنية البعض الفلسطيني، تستند بتقديرنا إلى حالة العجز الفلسطيني غير القادرة حتى الآن على هزيمة المشروع الصهيوني، وهي ترتقي إلى “الحلم” أكثر من كونها قراءة واعية مستندة إلى التحليل العلمي، وقد جاء هذا الاستطلاع ليؤكد على قصور هذا التحليل، وليؤكد أن لا فرق بين صهيوني مستعمر وصهيوني آخر، وانهم في موضوع الشعب الفلسطيني ومصادرة حقه سواسية، وهم مهما اختلفت أصولهم وألوانهم، إلا إنهم يتفقون في هذا الشأن.
هذا الاستطلاع يؤشر بدون مواربة إلى أي طبيعة ينتمي هؤلاء، ومن أي طينة يتكون هؤلاء “البشر” الذين يقطنون هذا الكيان، ومن واجب الإعلام الفلسطيني وكل المعنيين في المواقع الرسمية وغير الرسمية، تعميم مثل هذا الاستطلاع على “الناس” في العالم، ليدرك هؤلاء أي نوع من “البشر” هم من يعادي فلسطين والفلسطينيين وطموحاتهم وآمالهم وتطلعاتهم.
في ظل عقلية استعمارية كهذه، لا يمكن للشعب الفلسطيني سوى المزيد من الإدراك ان عليه الاستمرار في المقاومة ومزيد من المقاومة والتشبث بأرضه، ومقاومة كل الأساليب الصهيونية الهادفة إلى اقتلاعه من ارض الآباء والأجداد، هذا أيضا ما يجب إدراكه من قبل من يقود الشعب الفلسطيني، وذلك من خلال وضع حد لحالة التشتت والانقسام التي تعصف بالقضية والشعب الفلسطيني منذ سنوات عدة، بحيث أصبح هذا الانقسام الشماعة التي يعلق العالم فشله وعجزه عن وضع حد لغطرسة هذا الكيان وعدم انصياعه للقوانين والقرارات الدولية.
نتائج الاستطلاع هذه، والتي تشير إلى ان حوالي ثلثي الجمهور الصهيوني “43% منهم يصنفون أنفسهم على انهم من قوى اليسار” يوافقون على تحويل الأردن إلى دولة فلسطينية، تؤكد أن هذا الجمهور لا علاقة له لا باليسار ولا باليمين بقدر ما له علاقة بنزعة عنصرية استعمارية، كما ويؤكد ان هذا المجتمع لا فرق فيه بين يسار أو يمين، وانهم جميعهم في اضطهاد الشعب الفلسطيني وتشريده إنما هم سواسية، هكذا هم وهكذا كانوا وهكذا سيبقون.