بقلم: نضال محمد وتد – لا يمكن النظر إلى “مبادرة” العرب لإحياء المبادرة العربية وما تبقى منها بعد تشويهها لتقبل بتشريع الاستيطان والمستوطنات والكتل الاستيطانية، بمعزل عن الملف السوري والحرب الأهلية في سوريا بعد أن حولت أطراف عديدة الثورة على نظام الأسد إلى حرب أهلية طاحنة لا تبشر لسوريا بخير.
ولا يمكن النظر إلى هذا التحريك في هذا التوقيت الغريب من نوعه بالذات، دون الالتفات إلى ما نشرته يديعوت أحرونوت، في الأسبوع الماضي، حول “حلف بغداد ” جديد يحيك وزير الخارجية الأمريكي جون كيري خيوطه تحت اسم4+1.
فالأربعة الأولى وفق معادلة كيري هي ثلاثة دول عربية مكتملة السيادة، وهي الأردن والسعودية والإمارات(نجم جديد على الساحة العربية والإقليمية) + المسخ الفلسطيني في رام الله وطبعا الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي، تركيا. وقالت الصحيفة إن الحلف الجديد الذي يسعى كيري لحياكته ونسجه يقوم أساسا على محاربة المد الشيعي والنفوذ الإيراني، والنظام السوري وفقا لتقاطع مصالح الدول الشريكة في هذا الحلف وإجماعها على إسقاط نظام الأسد، ولكن وفي الوقت ذاته وضع منظومة أمنية واحدة، لتفادي صعود التيارات السلفية الجهادية للحكم في سوريا.
وبما أن المعادلة أمريكية فلا يمكن أن تظل بدون المركب الإسرائيلي بالهوس الأمني الإسرائيلي، و”الخبرة الإسرائيلية”. وهكذا أضافت يديعوت أحرونوت إلى معادلة الأربعة +1 منزلة أخرى يمثل فيها الواحد الإضافي إسرائيل، عبر التفنن في تحييد مصر وتجاهلها وتركها خارج الصورة وخارج المعادلة خوفا من أن يفسد عدم الاستقرار في مصر هذه المعادلة ويثبت فشلها.
وبما أن العرب فقدوا منذ زمن “زمام المبادرة” وعلى الرغم من أن التحرك الجديد بدا، إعلاميا، وكأنه جاء وصدر عن العرب، الذين قرروا بعد زمن من السكوت أن ينتصروا “لفلسطين”، إلا أنه لا يمكن لأحد الجزم بأن هذا التحرك لم يأت بدون إيعاز أمريكي للعرب بأن يتحركوا في هذا السياق، وعلى محور فلسطين وقضيتها، علّ هذا الحراك يزيح الأنظار قليلا عما تعده أمريكا لسوريا، الدولة والتاريخ والعمق العربي، وليس بالضرورة نظام الأسد. ومثلما لا نستطيع الجزم بأن أحدا لم يوعز للعرب أن يتحركوا ، الآن بالذات، فإنه لا يمكن الجزم بإن الإعلان عن القبول بمبدأ تبادل أراضي لم يكن بإيعاز من سلطة رام الله التي تبحث ربما عن شرعية عربية لتقديم تنازلات إضافية، بعد أن كانت ثورة فلسطين تعطي هي الشرعية لأنظمة العرب وفقا لموقف هذه الأنظمة من قضية فلسطين، ولكنها بعد أن تحولت من ثورة إلى ثروة، باتت تبحث عن شرعية عربية مشكوك فيها أصلا، لتقديم التنازلات.
والظاهر أن هذا التحرك، الذي حظي بسكب المياه الباردة، إن لم تكن مثلجة، عليه من قبل نتنياهو، يخفي في واقع الحال مخطط أمريكي جديد يسعى إلى بناء تحالف أطلسي- عربي لغزو سوريا برا وجوا، على غرار نفس الحلف الذي أقامه جورج بوش الأب في التسعينات لغزو العراق تحت شعار تحرير الكويت، بداية، وسكت عنه الأسد الأب مقابل تفاهمات مع السعودية والولايات المتحدة، تمخضت عن عقد مؤتمر مدريد الأول وما تبعته من مؤتمرات ثنائية في شيبرد ستون وواي بلانتيشن وكامب ديفد وأنابوليس، من جهة وإطلاق يد سوريا في لبنان من جهة أخرى وفقا لاتفاق الطائف المعروف.
وعلى الرغم من أنه لا توجد أدلة يمكن البناء عليها بأن المنطقة تتجه نحو بناء تحالف أطلسي جديد برعاية الجامعة العربية تمهيدا لغزو سوريا، أو ربما للتلويح بالغزو لإعادة النظام السوري إلى عقد التفاهمات والانسجام الكبير مع السعودية والولايات المتحدة، فإنه لا يمكن أيضا إسقاط هذا السيناريو من الحسبان، خاصة بالنسبة لكل ما يتعلق بالمكافآت التي ستوزعها الولايات المتحدة على من يدخل في حلفها ويشرعن غزو سوريا لإسقاط النظام كشرط أولي وأساسي لإجبار الولايات المتحدة على الضغط على إسرائيل لتقبل الأخيرة بمبدأ التفاوض (طبعا من نقطة الصفر) مع مبادرة عربية جديدة تسلم بالاستيطان والمستوطنات وتشرعنه رغم صدور عشرات القرارات الدولية التي تعتبر المستوطنات مخالفة للقانون الدولي. أي أننا قد نشهد شعارا عربيا جديدا يقول: تحرير فلسطين يمر عبر احتلال سوريا،وقد يطلب بعض العرب التدقيق في الشعار والقول احتلال سوريا هو الطريق لتحرير فلسطين.