الأولى: توفى استاذي وزميلي المرحوم منير الطيبي وكان أكثر من ذلك فقد كان انسانا بكل ما تحمل الإنسانية من معنى. كان ذا رسالة انسانية من الدرجة الأولى.
معلما يحمل رسالة تربوية ووطنية أصرّ على زرعها في قلوب وعقول طلابه وكنت انا من ضمن الآف من الطلاب الذين كان لهم شرف التتلمذ على يديه وحالفني الحظ بأن أصبحت له زميلا فيما بعد. كم أحببته واحترمته وقدرته ولغاية هذا اليوم أحمل له في قلبي كل هذه المشاعر ومثله مثل استاذي وزميلي المرحوم حسن بشاره واستاذي وزميلي المرحوم زكي الناشف.
وهنا لا بد لي أن أعبر عن استيائي وغضبي ولومي واحباطي من أهل هذا البلد “الطيب” الطيبة اسم كان له معنى كان رمزا للعلم والمجد والفخر والتربية والتعليم . هناك أسماء لامعة من ابناء الطيبة على مستوى العالم ونحن حتى لم نعطهم ابسط حقوقهم ولم نقدم لهم اي واجب اخلاقي كان من المففروض ان نقدمه احتراما لأنفسنا قبل ان يكون احتراما لنا.
ولكن فاقد الشيء لا يعطيه. مات عظماء في هذا البلد لم نفعل اي شيء من اجل تحليدهم وجاءت هذه القصيدة لتعرّف ربما لا حد فنحن قد قتلنا الجهل وقتلنا الفساد والنزعات العائلية جاءت هذه القصيدة لتعرف الناس كيف كان المعلم اي معلم في تلك الأزمنه كيف كان يفكر وكيف كان يرى عيوب مجتمعه وكيف كان يتألم ويحاول عمل اي شيء كي يضع جدا للفساد والعائلية المقيتة.
هذه القصيدة ربما تعود الى 50-60 سنة وربما اكثر ومما جاء فيها يظهر للأسف ان الطيبة تقدمت نحو الوراء وصعدت نحو الأسفل وما كان قادما ربما يكون أسوأ ولكن الأمل ما زال قائما فهناك ابناء للطيبة واعون ومدركون لدورهم الوطني وسوف تكون لهم كلمتهم عاجلا ام آجلا. أرجو أن يمد الله في عمر زملائي وزميلاتي الأحياء وأرجو الخير كل الخير لبلدي الطيّب ,
الثانية: في المصيبة يكمن العزاء وفي الضرّ تكمن المنفعة. يا لمفارقات الدهر وسخريات القدر.. سقوطي من ارتفاع 4-5 م وعدم قدرتي على الجركة وأنا الرياضي المدمن أتاحا لي فرصة العودة الى معشوقتي الأولى – القراءة. وللحق أقول أن قراءاتي كلها بالإنجليزية ومن مدة طويلة لم اقرءأ كتاب بالعربية خاصة بعد أن بدأت العروبة تميل الى الغروب والذي للأسف لم تعد الى الآن لسابق اشراقها .
في سن المراهقة والدراسة الثانوية والسنين الأولى من التعليم العالي كنت ككل أبناء جيلي مصابين بأجمل داء عرفته البشرية – حب القراءة وكنا ننتظر وصول كتاب مهرب من احدى الدول العربية شهورا واحيانا سنينا طويلة وكان الأدب العربي في أوجه وكان شغف القراءة في أوجه ولا أذكر انني أو أحدا غيري كان ليتنازل أو يتجاهل قراءة رواية عربية لعمالقة لأدباء العرب خاصة المصريين منهم امثال نجيب محفوظ و طه حسين واحسان عبد القدوس وغيرهم الكثيرين.
أما خلال قترة الإنحسار الوطني العربي خاصة بعد رحيل القائد والزعيم جمال عبد الناصر بالإضافة الى الهزيمة النفسية انهزم الأدب أيضا وأصابني سبات طويل من حيث القراءة بالعربية الى أن جاءت محنتي الأخيرة – سقوطي طبعا وأعادني الى عشقي الأول وأول كتاب وقعت عليه عيناي كتاب لأحلام مستغانمي اهدتني اياه صديقة كانت مغرمة بالكاتبة وكثيرا ما اقتبست جملا من كتاباتها على صفحتها الأمر الذي اثار فضولي لمعرفة هذه الكاتبة التي لم أعرفها من قبل. “الأسود يليق بك” فرض نفسه علي وكان اجمل ما يمكن أن يفرض نفسه على إمرء مغرم بالقراءة. ربّ ضارة نافعة ومع ذلك ارجو ان يجنبكم الله ما اعانيه من اوجاع الى حين إن شاء الله .