على غير العادة، حضر ذاكرتي منذ ايام معدودة وبصورة مفاجئة الكاتب الصحفي الفلسطيني الكبير ناصر الدين النشاشيبي، وتحدثت عنه في سياق كتابتي عن علاقات الكاتبة غادة السمان الغرامية بالكتاب والشعراء الفلسطينيين، وكأنها قطعت على نفسها عهدا بعدم الوقوع في حب آخر سوى الفلسطيني رغم زواجها من اللبناني بشير الداعوق الذي اختطفه القدر عام 2008.
النشاشيبي شخصية تجذبك مهما قاومتها، إن لم يكن بشواهد سيرتها الغنية والطويلة، فبعبارة يرميك بها الكاتب او ببعض منها، تكون كافية للفطين كي يدرك أنه في حضرة شخصية خارجة عن العادة.
حدثني هذا العملاق اثناء لقائي به في احد الايام في الاذاعة، انه صهر الرئيس اللبناني الاسبق رياض الصلح وان علاقة مصاهرة تربطه بالوليد بن طلال ولذلك فهو يتعرض لضغوط من فنانين محليين باستمرار ليساعدهم على الانتشار عبر روتانا، وذكر لي اسماء مطربين من عرب 48 كانوا يحاولون ذلك.
حدثني ان اغنية “ست الحبايب” الشهيرة والتي غنتها المطربة فايزة احمد، لحنها الموسيقار محمد عبد الوهاب في بيت النشاشيبي في القاهرة في مطلع الستينات. فقد كان موسيقار الاجيال يسهر في بيت النشاشيبي وفجأة تلقى مكالمة هاتفية من الشاعر حسين السيد الذي لقنه كلمات قصيدة جديدة كان قدمها للتو هدية لأمه عشية عيد الام. اعجب الموسيقار عبد الوهاب بها، وراح يدندنها بصوته على العود .وبعد عدة دقائق وفي ذات الجلسة في بيت النشاشيبي، كانت الاغنية كاملة اللحن المعروف الذي اشتهرت به لاحقا. وعند الصباح استدعى عبد الوهاب المطربة الشابة آنذاك فايزة احمد لتتدرب عليها وفي ساعات مساء ذات اليوم تم تسجيلها في الاذاعة.
حدثني عن علاقة الجفاء بينه وبين محمد حسنين هيكل، عملاق الصحافة العربية، وقال انه يحمل هيكل مسؤولية نكسة 67 لأنه ألهم عبد الناصر بأن يتروى وان لا تكون مصر البادئة بالحرب، وانما عليها ان تتلقى الضربة الجوية الاسرائيلية الاولى وامتصاصها ومن ثم شن هجوم مضاد على اسرائيل.
زرته في بيته في حي “الشيخ جراح” في القدس قبل عدة سنوات وقد نالت السنين منه إلا انه بدا متشبثا بالصحافة اكثر مما يتشبث بالحياة، وكان على فراش المرض يرقب النهاية بينما يتحدث فيه الصحفي المغامر لا المريض الوهن.
خلال هذه الزيارة استعرض امامي مجموعة كبيرة من الصور التي تجمعه مع شخصيات عالمية دخلت التاريخ امثال مارتين لوثر كينج وارنستو تشي جيفارا وتشرتشل وديغول وهيلموت شميدت والملك حسين وياسر عرفات وشاه ايران رضا بهلوي وانديرا غاندي ونور الدين الاتاسي (الرئيس السوري قبل الاسد الاب) وبن بيلا والنميري والقذافي وغالبية الرؤساء العرب الى جانب غونار يارينج، الامين العام الاسبق للأمم المتحدة وهنري كيسنجر ابان توليه مهام مستشار الامن القومي الامريكي في إدارة نيكسون ثم كوزير للخارجية الامريكية لاحقا… والعديد من الشخصيات السياسية ناهيك عن الشخصيات الفنية من الصف الاول.
كان يتحدث عن لقاءاته بعمالقة الفن مثل ام كلثوم وعبد الحليم وفريد الاطرش وعبد الوهاب وكأنه يتحدث عن زميل له في العمل يلقاه صبح مساء، كان يتحدث عن جلساته مع عبد الناصر وكأنه يتحدث عن شقيقه التوأم الذي يبادله المحبة ولهذا كان اختيار عبد الناصر للنشاشيبي ليرأس هيئة تحرير صحيفة “الجمهورية” فور انتصار ثورة 23 يوليو، ثم ما لبث ان تولى مسؤولية رفيعة في تحرير صحف مثل “الاهرام” و”اخبار اليوم” و”الاخبار” وأشرف على إذاعة صوت العرب في القاهرة.
عرف عن النشاشيبي غزارته في التأليف، فقد كانت سنوات الثمانينيات والتسعينيات اغزر فترات نتاجه الادبي السياسي، فكان يصدر في العام الواحد احيانا ثلاثة مؤلفات، حتى انه ومن باب الدعابة كان يفرش بيته بمؤلفاته كنوع من الاعتزاز.
للنشاشيبي ابنة تعيش في بلجيكا، وابن يعيش في لندن وله بيت في ضواحي باريس وآخر في بيروت وثالث في القاهرة ولكنه توفي في بيته الثاني في القدس بعد ان وهب بيته الفاخر الاكبر لجامعة القدس العربية.
النشاشيبي توفي فجر اليوم الجمعة عن عمر يناهز 93 عاماً، وكان ولد في مدينة القدس سنة 1920، وتلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة الرشيدية بالمدينة، والتحق بالجامعة الوطنية في لبنان، وبعد أن أنهى دراسته فيها انتقل للجامعة الامريكية في بيروت ليتخرج بدرجة بكالوريوس علوم وسياسة واقتصاد.
وعمل النشاشيبي عقب تخرجه مباشرة معلقاً أدبياً في دار الإذاعة بالقدس وعين مديراً لقسم الصحافة في المكتب العربي عام 1945. وعمل سكرتيراً للوفد الفلسطيني في مجلس جامعة الدول العربية سنة 1945 بالقاهرة.
من مؤلفات الكاتب والمؤرخ:
شباب محموم، 1949- خطوات في بريطانيا، القاهرة، 1949 – عندما دخلوا التاريخ، بيروت، 1956 – فلسطين والوحدة، 1959 – ماذا جرى في الشرق الأوسط، بيروت، 1960- تذكرة عودة، بيروت، 1961 – قصص وأصحابها، بيروت، 1962 – حفنة رمال، بيروت، 1964 – عربي في الصين، القاهرة، 1965 – سفير متجول، بيروت، 1970 – أريد أن أصلي في المسجد الأقصى – حبات البرتقال، رواية – نحن مع أحرار اليمن، القاهرة، 1962- هل تعرفون حبيبتي، رسائل، 1982- الصوت الآخر للقدس (بالإنجليزية)، لندن، 1990- لا رمل ولا جمل، باريس، 1976- الحبر الأسود… أسود، باريس، 1977- من قتل الملك عبد الله؟ الكويت، 1980- صلاة بلا مؤذن، بيروت، 1980- قصتي مع الصحافة، مدريد، 1983 – لماذا وصلنا إلى هنا، لندن، 1985- المرأة تحب الكلام، لندن، 1986 – حديث الكبار، 1986- آخر العمالقة جاء من القدس (قصة موسى العلمي)، مدريد، 1986- من أوراق الشرق الأوسط – في مملكة النساء- نساء من الشرق الأوسط – حضرات الزملاء المحترمين، القدس، 1995.
كلمة الكبير تقال لله عز وجل فقد.
كلمة الكبير: استخدمها انت فقط في ذكر الله في الندوات الدينية، واترك الآخرين يستخدمونها كما يحلو لهم، فإنهم سيواجهون ربهم يوم القيامة بمفردهم ولن يستجيروا بك للشفاعة عند الخالق. هداك الله !
اعرف اكتب عربي اول ، فقط مش فقد يا جاهل
ولك الشكر والتقدير على كل من ساهم في نشر الإسلام
من لا يعرف النشاشيبي لم يعرف صحيفة الجهاد التي سميت بعد توحيد الصحف “القدس “رحم الله كبير الصحفين والكتاب شكرا اخ ناضل كفيت ووفيت