يصيب الاكتئاب ملايين الأشخاص حول العالم كل عام، لكن نادراً ما يتم أخذه على محمل الجد إذ يسود الاعتقاد أنه يكفي القليل من الإرادة للتخلص من تلك المشكلة. إليك لمحة عن أبرز الحقائق المرتبطة بالاكتئاب, لاكتئاب هو مشكلة صحية حقيقية يعاني منها شخص واحد من كل خمسة أشخاص تقريباً في مرحلة ما من حياته.
الاكتئاب ليس مرضاً حقيقياً
لا شك في أن الاكتئاب هو معاناة نفسية، وإنما هو أيضاً مرض بكل معنى الكلمة. يتجلى على شكل نقص في السيروتونين والنورادرينالين والدوبامين في الدماغ، علماً أن هذه الجزيئات الثلاث ضرورية للتوازن والإحساس بالرفاهة.
وبفضل التصوير المتطور للأعصاب، وجد الأطباء والباحثون أن هناك نشاطاً منخفضاً جداً في قشرة الدماغ الأمامية، أي المنظمة لعواطفنا.
ثمة دور أساسي في ذلك لبعض الهرمونات (الكورتيزول، أي هرمون التوتر، أو الاستروجينات). باختصار، يمكن القول إن تلك الحالة النفسية مرتبطة عن كثب بحالة الدماغ.
الكآبة والاكتئاب هما الشيء نفسه
إحساس بالحزن، فترات من الإحباط، كآبة… إنها جزء من العواطف التي تحركنا. إنها الكآبة التي تنتهي بالتلاشي بعد فترة زمنية قصيرة. لكن لا بد من دق ناقوس الخطر إذا بقي مزاجنا على هذه الحال مهما حصل في حياتنا من أحداث مفرحة وإيجابية.
فعند المعاناة من الاكتئاب، يكون المزاج مضبوطاً دوماً على «الأسود»، ولا يستطيع المرء رؤية أية فسحة أمل في أفق حياته.
وللتحدث عن نوبة اكتئاب حقيقية، يفترض بهذا الحزن المرضي و/أو فقدان القدرة على الاستمتاع أن يستمر لأكثر من خمسة عشر يوماً متتالية.
وبالترافق مع هذه الأعراض، تبرز أربعة أمور أخرى أساسية: الإحساس بالذنب/عدم تقدير الذات، والصعوبة في التركيز، وخسارة الوزن، والأرق، فضلاً عن البطء الإجمالي في أسلوب العيش.
لذا، يجب عدم الخلط بين الكآبة والاكتئاب، ولا بد من زيارة الطبيب الاختصاصي لتوكيد التشخيص أو نفيه.
الخروج من الدوّامة… مسألة إرادة فقط
الطلب من الشخص المكتئب أن يعود إلى رشده يعني عدم الاعتراف بمرضه. لا بل يؤدي ذلك إلى تحطيمه أكثر فأكثر، ويغذي إحساسه بالذنب وبأنه ليس على المستوى المطلوب منه.
لذا، يجب مساعدته للتوجه إلى طبيب اختصاصي وتلقي العلاج المناسب. فمحاولة الخروج من الاكتئاب بمجرد الإرادة لا يكفي، لا بل إن الوضع يتفاقم جداً في أغلب الأحيان.
لماذا؟ لأنه أمام الفشل، يزداد الإحساس بعدم القيمة الذاتية، ويغوص المرء أكثر فأكثر في اكتئابه وحزنه.
لا تجعلوا الشخص المكتئب يشعر يوماً بالخجل أو الذنب. فحين يكون الشخص مكتئباً، يحب تشجيعه لزيارة الطبيب الاختصاصي وتلقي العلاج اللازم، تماماً كما يحصل عند كسر اليد أو الساق ويتم التوجه إلى الطبيب الاختصاصي لمعالجة المشكلة.
الاكتئاب وراثي
“عانت أمي وجدتي من الاكتئاب… من الطبيعي إذاً أن أعاني أنا أيضاً منه…”. هذا صحيح وخاطئ في الوقت نفسه. فقد أثبتت الدراسات العلمية التي أجريت على أجيال عدة وجود عامل وراثي محتمل في مرض الاكتئاب.
لكن لم يتم التعرف لغاية الآن على أية جينة محددة للاكتئاب. وينطوي هذا المرض على عدد من العوامل المعقدة المرتبطة بعلم الأحياء، والأحداث التي تواجهنا، والبيئة الاجتماعية، وأسلوب العيش، والوضع العاطفي… لذا، فإن وجود شخص مكتئب في العائلة لا يعني بالضرورة انتقال المرض حتماً إلى شخص آخر في يوم من الأيام.
الاكتئاب يصيب الكبار فقط…
لا، هذا غير صحيح. فالاكتئاب يمكن أن يصيب أي شخص في أية مرحلة من الأعمار. وتشير الإحصاءات إلى أن 2 إلى 10 في المئة من المراهقين يتعرضون للاكتئاب، و1 في المئة تقريباً من الفئة العمرية الأصغر، إضافة طبعاً إلى الكبار في السن.
يقول الأطباء إن المشكلة تحصل لأننا نميل إلى الاعتقاد إنه من الطبيعي الشعور بالحزن في هذا العمر، والافتقاد إلى الطاقة، والبقاء في المنزل وعدم الخروج، مما يفضي إلى عدم تشخيص المرض.
عند الطفل، يتجلى الاكتئاب غالباً على شكل أوجاع (ألم في البطن أو الرأس…)، وعزلة، وتدهور في الأداء المدرسي، ومشاكل في النوم… عند المراهقين، يتجلى الاكتئاب على شكل تمرد ومعارضة أكثر من المعتاد.
لكن في أية حال، ومهما كان العمر، لا بد من مراجعة الطبيب الاختصاصي إذا استمر الإحساس بالانزعاج لفترة من الزمن.
مضادات الاكتئاب هي الحل الوحيد
لا، مضادات الاكتئاب ليست بالضرورة الحل الوحيد لمعالجة الاكتئاب. فنوبات الاكتئاب الخفيفة لا تحتاج بالضرورة إلى تلك الأدوية، وتكفي أحياناً جلسات عدة من العلاج النفسي. لكن إذا رأى الطبيب أن الاكتئاب «متوسط» إلى “وخيم”، تبرز الحاجة حتماً إلى مضادات
الاكتئاب، بالترافق أحياناً مع مضادات للقلق.
ولا ننسى طبعاً أهمية المساعدة النفسية والحصول على الدعم الاجتماعي، التي هي جزء مهم جداً من العلاج.
إذا تأخر مفعول العلاج، يجب وقفه
في الإجمال، تحتاج مضادات الاكتئاب إلى أسبوعين أو ثلاثة أسابيع حتى تعطي مفعولها. لا تنتظري إذاً مفعولاً سحرياً بين ليلة وضحاها. في المقابل، من المهم عدم التوقف عن العلاج فور الإحساس بالتحسن.
فمرحلة التوطيد، الهادفة إلى استقرار تحسن الأعراض، تستمر ستة أشهر تقريباً، لا بل سنة كاملة أحياناً.
ووقف العلاج خلال هذه المرحلة الحساسة يزيد من خطر السقوط مجدداً في فخ الاكتئاب. لا داعي للقلق لأن مضادات الاكتئاب لا تسبب أي إدمان جسدي، ولا بد من وقفها بصورة تدريجية، على مدى أسابيع عدة، بعد قرار من الطبيب نفسه.
العلاج النفسي ضروري
أظهرت الدراسات أن العلاج النفسي المترافق مع العلاج بالأدوية المضادة للاكتئاب هو أفضل حل للقضاء على الاكتئاب. ويعتبر هذا العلاج المزدوج أفضل بكثير من العلاج بالأدوية لوحده أو العلاج النفسي لوحده.
لكن لا بد من الإشارة إلى أن جلسات العلاج النفسي لا تشبه مسألة تناول الأدوية. فلا بد من وجود رغبة داخلية في تلقي هذا العلاج للحصول على الفائدة المرجوة.