جرت العادة في تاريخ الإنسانية على الإشارة إلى احتفالات الشعوب بنصرها على العدو الخارجي، إذا كانت واقعة تحت احتلاله، أو في حالة قيام الشعب على حاكم ظالم ونظام مستبد، لكن لم ترد فيكتب التاريخ، لغاية اليوم أية إشارة إلى احتفال نظام من الأنظمة أو من ولاه من وطنه وجيرانه بانتصار النظام وحلفائه على مواطني النظام وشعبه الذين تحملوه لعقود حتى ثاروا عليه.
احتفالات حزب الله الله والتهاني التي وجهتها الجمهورية الإسلامية في إيران إلى نظام القتل الفاشي في سوريا احتفاء واحتفالا بالانتصار في القصير على الثورة وخروج المقاتلين من البلدة، هي بداية عهد جديد في مسيرة نظم الاستبداد لا نعرف ماذا كان سيقول فيها عبد الرحمن الكواكبي لو عاصرها، وإن كان استشرف في كتابه قبل قرون، سلوكيات نظام الأسد وميل نظام الاستبداد إلى هدم البلد وحرقها إن لم تستكن له وتخضع لنزوات أركانه.
وإذا كان الانتصار البعثي في القصير يشكل نكسة في في مسيرة الثورة السورية ضد نظام الأسد، من شأنها أن تتحول إلى نكبة تطيل عمر النظام لدرجة تمكنه من سحق الثورة كليا، بعد أن استعاد بعض ثقته بنفسه بفضل مقاتلي حزب الله، لا بفضل قدرات قواته النظامية، إلا أن القصير ستكون نقطة تحول في ميزان العلاقة السورية – الإيرانية لدرجة تضع نظام الأسد، ما طال عمره، تحت وصاية إيرانية، وتضع حزب الله في مركز قوة تحرره من تبعية لسوريا، أو قبول بوصاية سوريا، لتطلق له العنان في لبنان أولا، وفي سوريا لاحقا، لدرجة قد تقود الحزب إلى نسخ تجربة الثورة الفلسطينية في لبنان على أخطائها التي باتت واضحة، فيظن نفسه فوق النقد ، منجهة، وتأخذه العزة بنصر القصير مأخذا يدفعه لتغيير قواعد تعامله هو، وليس غيره، مع نظام الأسد بعد أن بات هو صاحب الفضل على الأسد في حسم معركة القصير.
قد تكون القصير بنتائجها العسكرية المرحلية ، قد أمدت النظام وحزب الله بفسحة من الوقت، وعززت قوة الاثنين لكن من شأنها أن ترتد عليهم على المدى الطويل كأن تحسم نتائج المعركة أنه لن تقوم للبعث بعد الأسد (مهما تمكن من إطالة عمر نظامه) قائمة وسيكون بشار آخر ولاة سوريا باسم البعث. أما لبنانيا فقد تتحول القصير إلى نقطة التحول في كل ما يتعلق بمصير حزب الله ومستقبله في لبنان. فحزب الله الذي بات طرفا إقليميا، ولم يعد مجرد عنوان للمقاومة اللبنانية، قد يواجه نفس المصير الذي واجهته منظمة التحرير في لبنان بعد أن دخلت طرفا في حربه الأهلية التي استمرت 18 شهرا بين عامي 75 و76.
صحيح أن المنظمة خرجت من الحرب الأهلية طرفا أساسيا في ميزان القوى اللبنانية وكان لها ثقلها النوعي في تقرير شكل الحكومة اللبنانية أحيانا، إلا أنها جرت على نفسها، بعد ذلك وعلى الفلسطينيين في لبنان سخطا لبنانيا عاما، كان خبز القوى المناهضة لها داخل لبنان، كلما دق الكوز بالجرة، وكلما ضربت إسرائيل لبنان، وجد الفلسطينيون بين اللبنانيين من بيَّض صفحة إسرائيل و”تفهم” اعتداءاتها على لبنان، وأن لم يبخل ذلك من معسول الكلام عن التضامن والوقوف مع الشعب الفلسطيني.
فحزب الله الذي شكل امتدادا عسكريا لحركة أمل الشيعية ( والتي كان للمقاومة الفلسطينية الفضل في تدريب قواتها) خسر في معركة القصير ، هويته اللبنانية، ودوره كلاعب داخل الساحة اللبنانية،( كان يحق له بالعرف اللبناني أن يستعين بعرابين من الخارج لحماية مصالحه) بعد أن كبر ليصبح لاعبا إقليميا لا تحركه الأجندة اللبنانية فقط ولا هموم المقاومة. فبعد القصير سينسى لبنان لحزب الله رصيده في مقاومة إسرائيل وسيتذكر فقط وقوفه إلى جانب نظام الأسد ورقص مقاتليه وأنصاره في الضاحية على دماء نساء وأطفال القصير،سواء الذين سقطوا برصاص “الثورة” أو الذين دكتهم مدافع الأسد وأعدمهم مقاتلو حزب الله.