القارئ بوصلة الكاتب، بقلم: فاروق مواسي
إنني أحس من وراء كلماتي هذه بمتلقين يتابعونها، إنها تخلق جمهورها الذي يهمني– حتى ولو لم أعرفه، وإلا فما سبب انشغالي بها – أنا مثلاً – على كثرة مشاغلي ؟؟!
إن الكاتب حين يكتب لبرنامج إذاعي أو يكتب قصة أطفال – طُلبت منه حول موضوع ما فهو يوجه دفة أدبيته نحو المنحى المطلوب، فيحور ويتقمص ويحس وينفعل تبعًا لمهارته في إكساب المادة طابعًا تلقائيًا أو صدقيًا، فهذه تتضافر معا متجهة إلى المتلـقي.
فإلى قرائي المتأنـّيـــن أواصل أو أبدأ:
القارئ بوصلة الكاتب
يتجه النقد الأدبي في كل مرحلة بما يتوافق والحياة الفكرية والثقافية، وإذا أجملنا مناهجه فسنجد أن السياقات التاريخية والقوانين الجدلية، والأساليب الفنية والمنحى نحو ذاتية الأديب ونفسيته ووسطه الاجتماعي وبيئته كانت أبرز ما ساد تنظيرًا وتطبيقـًا.
ثم اتجه النقد نحو الأثر نفسه دون سياقات مصاحبة، فعمد الشكلانيون والبنيويون إلى تحليل النص، وآنا يوضحونه برسوم تخطيطية نفهم بعضها على الأقل، وتقبض أيدينا على الريح إزاء البعض، أو على الأقل نوهم أنفسنا،أو نوهم الآخرين بفهمها.
لكن هذه المناهج السابقة لم تستطع قطعًا أن تخبرنا لماذا تفوق هذا النص على ذاك، ولماذا طمس هذا وخلد ذاك.
من هنا انطلقت الاتجاهات المستجدة التي تتركز على القارئ أو المتلقي، وكانت مدرسة كونستانس وأشهر روادها (ياوس) الألماني، ومن ثم ما كتبه ( وولفغانغ آيزر ) و (ديفيد بليخ) والمنطلق هنا هو التلقي أي أن القارئ هو العنوان الذي يصوب إليه الكاتب من غير أن يعترف أحيانًا بذلك.
إذا وافقنا على ذلك فقد نهتدي إلى السبب في النضوب (أو وشك النضوب) الذي أخذنا نشهده في أدبنا الوطني الثوري … إن الشاعر يلتقط بنوع من المجسات النفسية حساسية الجمهور ومدى تفاعله مع هذه القضية أو تلك، ولنكن صرحاء:
أخذ سلم الأولويات لدينا يتغير. إذن، فالقارئ هو في وجدان الكاتب أقرّ أم أنكر. والكاتب حين يكتب لبرنامج إذاعي أو يكتب قصة أطفال – طُلبت منه حول موضوع ما فهو يوجه دفة أدبيته نحو المنحى المطلوب، فيحور ويتقمص ويحس وينفعل تبعًا لمهارته في إكساب المادة طابعًا تلقائيًا أو صدقيًا، فهذه تتضافر معا متجهة إلى المتلـقي، أقول ذلك وأنا أستذكر بودلير- مع بعض تحفظي – حيث رفض مفهوم الإلهام الرومانسي أصلاً، وعمد إلى الكتابة المنشودة التي دُعي لكتابتها ..
إن الكتابة هي للقارئ، للجمهور، وجواب أدونيس” “ليس لي جمهور ولا أريد جمهورًا” (حوار مع أدونيس أجراه حسين قبيسي، مجلة الشروق- 24/06/1992) فيه مكابرة إن لم يكن فيه ما يدل على قطيعة يائسة، إذ أن علاقة المتلقي بالمنتج هي علاقة جذب وارتخاء، وحتى في ذلك التبادل في الموقع- ما يؤكد على محورية المتلقي. تبعًا لذلك، فالكتابات التي لا تلامس أذهان المثقفين/ المفكرين مصيرها أدراج الرياح، ومن هنا تعود وتستجد أهمية التطهير ( كاتارسيس ) – أي إحداث الشفقة والفزع …. إلخ في نفس المتلقي لتنزع نفسه إلى التطهر.
لقد عاد إلينا ذلك القارئ الذي يبغي العبرة والحكمة والمتعة، وأخذ ترصده للنص ومكانه الموجه، ذلك لأنه يؤثر وله علاقة مباشرة بالإنتاج، إنه المستهلك الذي يستدعي الإنتاج الملائم.
حتى أترجم آراءهم فإنني أحس من وراء كلماتي هذه بمتلقين يتابعونها، إنها تخلق جمهورها الذي يهمني– حتى ولو لم أعرفه، وإلا فما سبب انشغالي بها – أنا مثلاً – على كثرة مشاغلي ؟؟!
تهمني الكتابة لأنها تعبير عن حاجتي للتواصل، والتواصل لا يتم إلا عبر رسائل مباشرة وغير مباشرة. وفي هذا السياق تحضرني هنا حكاية الشاعر العبري الذي يكتب لنفسه (انظر كتابي أدبيات، ص 35)، ومع تقديري لشاعريته أو مشاعره فهو يعدم الآذان التي تسمعه، والعيون التي تتابعه، والشفاه التي تلهج بقراءته، وليت الذين يكتبون لأنفسهم يعتبرون قليلا بأسباب عزوف هذا الشاعر العبري عن الإزعاج، أو النشر!
ليتهم يدركون أنهم يخاطبون أنفسهم فقط!
فهل هي نعمة أم نقمة إذا كثروا فينا؟
أدع الجواب لكم، ولا تترددوا … أو تتهيبوا حتى من الأسماء البراقة الكبيرة!
بروفيسور فاروق .. روضة افكارك واسعة مليئة بالثمار والزهور ..ما أجمل ان يكون الكاتب والاديب كتابا مفتوحا يتمنى كل شخص وكل قارىء ان يجلس بجانبه كي يقرأ من كلامه قليلا وأن يعتبر من حروفه كثيرا ..قد يراها البعض جميلة ومعبرة ويراها أخرون بلا معنى .. فما فائدة القلم اذا لم يفتح فكرا أو يضمد جرحا او يرقأ دمعة او يطهر قلبا او يكشف زيفا؟ ..لا شيء كالكتابه فهي تقودك مباشرة الى الروح وتفتح عالما براقا هائلا من السحر قبل ان تلامس الورق …تقبل مروري مع فائق احترامي وتقديري لشخصك الكريم .دمت يصحة وسعاده ناهد |