على طريق مقاومة مخطط برافر الإقتلاعي، نفذت الجماهير العربية الفلسطينية في الداخل إضراباً عاماً، شمل كل قرانا ومدننا في الجليل والمثلث والنقب، وتخلل يوم الإضراب مظاهرات صاخبة وغاضبة، وجرى إغلاق مفارق طرق في وادي عارة وبئر السبع وشفاعمرو وحيفا وسخنين وغيرها. لم يكن هدف هذا اليوم الاحتجاج على المخطط فحسب، بل كان خطوة مهمة وانطلاقة مجددة نحو الهدف الذي حددناه لأنفسنا في هذه المعركة وهو إسقاط مشروع برافر، ليس أقل!
يقال ان الحكومة الإسرائيلية جدية في تنفيذ هذا المشروع، ورصدت له المليارات من الشواقل وسخرت إمكانيات وقدرات الدولة بكاملها لأجل ذلك. نحن في المقابل جديون لا اقل في معارضتنا لمخطط برافر الكولونيالي العنصري، وجاهزون للنضال والمواجهة والتصدي بكل ما لدينا من قدرة وقوة، ولسنا ضعفاء. لقد اتخذنا، وبالإجماع، قراراً حازماً واستراتيجياً برفض المخطط، والامتناع عن التعامل معه ومع مشتقاته، وعدم التوصل إلى تسويات وصفقات على اساسه مهما كانت التهديدات ومهما بلغت المغريات. وشددنا في القرار على ضرورة مواصلة النضال بكل الوسائل المتاحة وصولاً إلى إسقاط المخطط وإفشاله وأكدنا أن نضالنا لا عنفي يشمل ايضاً إغلاق مفارق وشوارع وخطوات اخرى قد تكون مزعجة للدولة واذرعها لكنها سلمية بامتياز.
على أساس هذا الإجماع، الكل مطالب بالالتزام بقرار التصدي نصاً وروحاً. حين نقول الكل نقصد كل القوى السياسية وكل السلطات المحلية وكل الهيئات والمؤسسات الاهلية. على هذا الأساس لا مكان لمديح من شارك وناضل والتزم، لكن هناك مكان لمحاسبة الذين لم يلتزموا بالقرار، والذين التزموا به “رفعاً للعتب” وقولاً لا فعلاً، وذلك بهدف إيجابي وهو حثهم وتحفيزهم على الاستدراك وعلى المشاركة الفعلية في النضال، حتى تكون وحدة الصف الكفاحية المطلوبة في هذه المعركة حقيقية لا صورية. إن الالتزام بوحدة الصف لا يعني بالمرة السكوت على الخطأ، خاصة وانك لا تقول “ابتعدوا عنا” بل “تعالوا معنا نحمي أرضنا وشعبنا”.
إننا أمام معركة من أهم المعارك التي خاضتها الجماهير العربية الفلسطينية في الداخل في تاريخها. وإذا كانت مواجهات يوم الأرض الخالد عام 1976، قد اندلعت في اعقاب الاعلان عن النية لمصادرة 20 ألف دونم، فإن مخطط برافر يرمي الى الاستيلاء على اكثر من نصف مليون دونم وتهجير ما يربو على 40 ألف مواطن عربي من القرى غير المعترف بها في النقب. هي حقاً لحظة تاريخية تتطلب منا الجرأة والحكمة في التعامل معها. الجرأة في التصدي والذود عن الأهل والبيت والبلد، والحكمة في ادارة المعركة حتى تبقى البوصلة واضحة والهدف نصب العين: إسقاط المخطط.
ربما ظنت السلطة أن بإمكانها الاستفراد بأهلنا في النقب وأن اهل الشمال لن يساندوا أهل الجنوب، فجاء الإضراب العام عاماً فعلاً وشاملاً لكل المناطق وغاضباً في كل موقع كأن المصادرة فيه، فخاب الظن الخبيث وانتصرت ارادة النضال.
وربما اعتقد الخبراء والمخبرين عند تقديم استشارتهم للمخطط بأنه سرعان ما سيخفت الاحتجاج، والذي يحدث فعلاً هو حملة الاحتجاج في دالة تصاعدية لن تنحني إلا بسقوط المخطط.
وربما خطط المخططون لعقد صفقات وتسويات مع الناس بالإغراء تارة وبالتهديد تارة، لكن أحداً لم يستجب وهناك موقف شعبي رافض لبرافر علينا صيانته وفولذته، ونحن قادرون على ذلك.
وربما تخمن اجهزة الأمن من شرطة ومخابرات بأنه بالإمكان ترهيب الناس وردعهم عبر اعتقالات عشوائية للمتظاهرين وعبر تحقيقات استفزازية مع الناشطين السياسيين، لكنها خسئت أولاً، وهي ثانياً غبية اذ تعتقد بأنه بالإمكان ارهابنا بالاعتقالات والتحقيقات.
إننا أمام حدث تاريخي كبير، فلنكن من صانعيه. نحن أصحاب قضية عادلة، ندافع عن أنفسنا وعن بيوتنا وعن أهلنا وعن قرانا وعن اراضينا. لقد حرقنا خلفنا كل جسور العودة الى الخلف ولا أمامنا إلا التصدي للذي جاء يسلبنا أرضنا وبيتنا، ولا خيار لنا إلا الانتصار.
في الاضراب وفي المظاهرات عبرت جماهير واسعة عن سخطها وغضبها على مخطط الاقتلاع والمصادرة. هي انطلاقة والنضال مستمر وبالتأكيد سيتوسع. الغضب الساطع آتٍ لا محالة حتى إفشال المشروع العنصري الكولونيالي.