ملاحظات على الثورة المصرية. بقلم: النائب د. باسل غطاس
النائب د. باسل غطاس، من حزب التجمع الوطني الديموقراطي يعرض وجهة نظره حول ما يجري في دولة مصر العربية بعد عزل الرئيس محمد مرسي.
انقلاب عسكري أم ثورة شعبية ؟
ما حدث في مصر في الأيام الأخيرة وصولا إلى تدخل قيادة القوات المسلحة والإطاحة فعليا بمرسي وحكم الاخوان لا يعتبر بحال من الأحوال انقلاب عسكري. الانقلابات العسكرية تجري عادة بسرية تامة ومن خلال تآمر طغمة عسكرية تمثل كل أو جزء من قيادة الجيش, أول ما تفعله تفرض منع تجول ومن ثم تحاصر الدبابات المرافق العامة وأولها القصر الجمهوري والراديو والتلفزيون وتسيطر عليها. وتصدر بيان رقم 1 ومن ثم تتتالى البيانات ويقبض الجيش على مقاليد الحكم ويسير أمور البلاد مباشرة. هذا ما حدث حتى في الديموقراطيات الهشة مثل تركيا وباكستان.
في الحالة المصرية كانت الملايين في الشوارع والميادين, ليس فقط لم يكن هناك حظر تجول وانما كان شبه حظر للبقاء في البيت ولم تكن الدبابات التي تحاصر وانما جحافل من الناس رجال ونساء شيبا وشبابا وأطفالا والبيانات أصدرت علانية ومنذ ثلاثة أشهر من قبل حركة تمرد بقياداتها الشبابية المغمورة.
وعليه فلا ينطبق تعريف الانقلاب العسكري على ما حدث وانما ثورة مدنية شعبية وارادة جماهيرية تدخل الجيش لحمايتها وللحفاظ على دولة المؤسسات وللأمن القومي. هذا النقاش مهم جدا على صعيد فهم وتحليل الأمورداخليا وكذلك مهم لتوجه وفهم الغرب لما يحدث.
شرعية الصندوق أم شرعية الميدان\الشعب؟
لا يختلف اثنان على أن ما جرى هو إجراءات استثنائية جدا تم فيها إلغاء نتائج انتخابات ديموقراطية وشرعية وتم فيها بالإطاحة برئيس شرعي ومنتخب ومما يزيد الأمر صعوبة وتعقيدا كون الرئيس الشرعي منتخب في أول انتخابات حرة بعد عقود من الدكتاتورية أطاح بها الشعب في ثورته المجيدة.
إذا ما جرى وبكل المقاييس يعتبر نكسة خطيرة للديموقراطية الحديثة العهد وضربة قد تكون قاصمة للثقافة والتقاليد الديموقراطية المفروض أن تكون عملية ترسيخها قد بدأت. إذا كيف يرضى الديموقراطيون وأصحاب الفكر العلماني المدني والديموقراطي بما حدث ويرون فيه استمرار للثورة وتصحيحا لمسارها.
هنا يبرز وبقوة ساطعة موضوع الارادة الشعبية وشرعية الشعب التي هي أهم وأقوى من شرعية حتى صندوق الانتخاب. الأكثرية الساحقة لم تعد تطيق حكم مرسي والإخوان لأسباب عديدة. قد يكون ما يدعيه الإخوان من تعطيل مقصود للاقتصاد وخلق أزمات مفتعلة مثل أزمة الوقود وغيرها صحيحا ولكن هذا غير مهم لغرض تحليل النتيجة فالحقيقة أنه بعد سنة وفي تاريخ 30 حزيران الذي حدد منذ أشهر دعي الشعب للخروج من أجل إسقاط النظام ولبى الدعوة الملايين الذين احتشدوا في كافة مدن ومحافظات مصر وكان حجم الحشود أكبر بكثير من تلك التي أسقطت مبارك. صحيح أن الإخوان نجحوا في إخراج مؤيديهم للشارع ولكنه كان واضح أن الأكثرية الساحقة مع التغيير وكان الحشد المتبادل سيقود للصدام والعنف وتعطيل الدولة مما استدعى تدخل الجيش معتمدا على شرعية الشعب.
هل كان من الممكن أن تكون مآلات أخرى ؟
الجواب القاطع هو نعم وكان من الممكن تدارك الأمور في كل مرحلة ومرحلة قبل الانتخابات وبعدها قبل الدساور الجديد وبعده. من الواضح أن النخب السياسية وروح الشعب المصري التواق للحرية ولاستعمال الحسم الديموقراطي سارع في الإلتجاء إلى صندوق الاقتراع (خلال سنة واحدة ذهب المصريون 6 مرات للصندوق فيما يشبه الرياضة القومية ) ولم تكن هناك مرحلة انتقالية تتشكل فيها إجماع قومي على ثوابت جامعة وللتخلص من موبقات وورثة النظام السابق.
يتحمل مسؤولية هذا التسرع والرغبة في أخذ نصيب في الحكم كافة الأحزاب والحركات الفاعلة في الساحة السياسية. وكان في كل مرحلة من الممكن تجاوز الأحداث وخلق حالة توافق وطني إلا أن الفشل كان مصير كل محاولات الحوار ولا نعفي المؤسسة العسكرية من المسؤولية عن تعثر التحول الديموقراطي حيث تحول إلى لاعب رئيسي في حلبة الحكم بعد الثورة واصبح الالتجاء الى صندوق الاقتراع الوسيلة المثلى للتخلص من حكم العسكر.
من يتحمل المسؤولية؟
وان تحمل المسؤولية عن الفشل في المسار الديموقراطي وما آلت اليه الأمور كافة الفرقاء في المشهد السياسي المصري إلا أن المسؤولية الكبرى يتحملها الرئيس المنتخب وفريق الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة الحاكم. وهو أي الرئيس يتحمل جل المسؤولية بصفته في الحكم ومن أعطاه الشعب ثقته.
لقد نجح الإخوان بعد استلامهم الحكم بأقل من سنة أن يفقدوا هذه الثقة وذلك لرغبتهم الشديدة في التفرد بالحكم وفشلهم في قرائتهم المشهد السياسي بعد الثورة أن مصر الثائرة والفائزة لن تقبل بحكم فريق واحد وخصوصا لن تقبل بسيطرة الاسلام السياسي. لو تصرف الاسلاميون بشكل آخر وانتهجوا بمسار الوحدة والتوافق وتقاسم السلطة مع تيارات أخرى وعلمانية ومدنية وخلقوا جبهة تغيير وحدوية لحل الأزمات والتصدي لفلول النظام السابق وبدء مسيرة البناء لكان بالفعل من الممكن تجنيب مصر أزمتها الحالية. أضف إلى هذا عوامل هامة في شخصية محمد مرسي الذي لم يتمتع بالصفات القيادية والكاريزما اللازمة لشخص يقود البلاد في مرحلة دقيقة من تاريخها فأصبح بسرعة مثلا في الكذب ونقض العهود وحتى في عرد المهنية إلى حد التهريج. يكفي هذا الشعب فخرا أنه لم ينتظر وخرج ليحدث التغيير من خلال نفس الوسائل التي أطاحت بالدكتاتور وهي الثورة الشعبية في الميادين.
وماذا بعد؟
يبدو بداية أن المؤسسة العسكرية استخلصت العبر من ثورة 25 يناير وبدى ذلك في أمرين هامين: الأول سرعة التحرك وعدم انتظار الأمور لكي تستفحل أما الثاني فهو قراره بالابتعاد عن لعب أي دور في المرحلة القادمة والاكتفاء بتوفير الحماية وعوامل الاستقرار للمرحلة القادمة. ولكن هل سيستخلص العبر الصحيحة سائر مركبات المنظومة السياسية والشعبية ؟ الجواب على ذلك ليس واضحا على الاطلاق ويبدو أن الخارطة المستقبلية التي وضعها الجيش وبتأييد من الشعب والمؤسسة الدينية تحمل في طياتها مطبات عديدة قد تعقد الوضع مجددا. السؤال الصعب هو هل سيستخلص الاخوان العبر من أخطائهم وهل سيوافقون في الإنخراط مجددا في العملية السياسية أم سيحاولون إعاقة العملية مستخدمين مختلف الوسائل.
المفرح والمثير للثقة والتفاؤل في المستقبل هو الدور الرائد والواثق للشباب الذين عادوا لقيادة الحراك وهم أكثر عزما على البقاء على رأس التحرك وعدم الافلات به للنخب القديمة. عليهم نراهن بأن مصر ستنطلق إلى الأمام. أما فتصريحات القادة الغربيين المتحفظين من تحرك الجيش مع إغفال إرادة الشعب فهي غير ذات قيمة ولا تأثير.
رحمة الله عليك يا مصر