من الظواهر الغريبة المستهجنة التي تصاحب شهر رمضان المبارك في مجتمعنا الطيباوي وغيره من مجتمعاتنا الإسلامية، ظاهرة مذمومة ومضرة الا وهي ظاهرة الإسراف المبالغ به في كثير من مظاهر رمضان ، حتى وصل الحال عند كثير منا إلى مرحلة لم يعد يفرق فيها بين الضروريات وبين الكماليات.
فأصبحت جميعا وكأنها من الضروريات التي لا يستغني الإنسان عنها، وأصبح شعارنا ” كلما اشتهينا اشترينا”،بغض النظر عن درجة الحاجة ،وعن الحالة المالية لأحدنا. الأمر الذي يستدعي منا وقفة مراجعة ومحاسبة للنفوس .
ومن ابرز صور الإسراف التي نعايشها الإكثار من الطعام والشراب فوق الحاجة، فإن من الناس من تعود كثرة المطعومات، والمشروبات، فتراه في رمضان يملأ مائدته في الإفطار والسحور بكل ما لذ وطاب، ثم تكون عرضة للإتلاف والرمي. وقد دلت إحصائيات عام 2011م ان معدل الإنفاق الشهري على الطعام والشراب للعائلة العربية الواحدة في غير رمضان هو 2500 شيقل، بينما بلغ المعدل في رمضان 5000 شيقل أي الضعف.مع ان المتوقع هو ان يقل الصرف لا ان يزيد،وهذا يدل على أننا نعمل بعكس ما توحيه عبادة الصيام وما تهدف إليه.
وينسى هؤلاء ان هناك من الفقراء والمحتاجين واليتامى من هم بأمس الحاجة الى هذا الطعام الذي يفرغ في نهاية يوم الصيام في حاويات النفايات- مع الأسف الشديد .
ومن صور الإسراف التي نلمسها في رمضان أيضا النوم فوق القدر المطلوب، وخاصة في النهار، فإن بعض الصائمين وخصوصا الطلاب والطالبات جعلوا من أيامهم سهرا في الليل الى الفجر ثم غفلة وسباتاً عميقاً في النهار، والعجيب أن هؤلاء يسرفون في سهر لا طائل من ورائه، بل ان البعض يسهر في مزاولة أمور محرمة، ومكروهة تغضب المولى تبارك وتعالى.
وعلى هؤلاء الشباب ذكورا واناثا ان يتذكروا ان من معاني الصيام ان يشعر الصائم مع الفقراء والمحتاجين ،بعد ان يذوق هو مرارة الجوع والعطش،فكيف لهذا المعنى ان يتحقق عندما ينام الواحد منهم في يوم الصيام الى العصر!.وأ ي معنى بقي لصيامه ؟الا يخشى الواحد منهم ان ينطبق عليه قول النبي الكريم:”رب صائم ليس له من صيامه الا الجوع..”!
ومن صور الإسراف أيضا: الإسراف في الإعداد لعيد الفطر، وتكليف النفس فوق طاقتها، والتبذير في الإنفاق من لباس، وهيئة، ولعب، ومباهج، حتى ان البعض منا يستدين لكي يغطي كل هذه النفقات والمصروفات، ومن الإسراف كذلك عدم الاهتمام بالوقت وهدر الساعات الغاليات في القيل والقال والتوافه وأمام شاشات التلفاز والحواسيب والبلفونات على حساب اغتنام أوقات رمضان الثمينة التي لا تعوض أعمال الخير فيها.
وإذا سألنا أنفسنا عن سبب هذا السلوك الخاطئ الذي يتناقض مع مقاصد الصيام وأهدافه، بل مع روح الشريعة الإسلامية القائمة على الاعتدال والاتزان انطلاقا من القاعدة الشرعية: “وكلوا واشربوا ولا تسرفوا”، لوجدنا انه راجع الى فهم خاطئ لفريضة الصيام ، والى الانجرار وراء تيار المفاخرة والتقليد للآخرين، والى عدم محاسبة النفس وتقويمها ، وبالتالي يكمن علاج هذه الظاهرة بما يلي:
أولاً: الفهم الصحيح لفريضة الصيام على أنها تطهير للنفس والمال والمجتمع، وأنه عبادة صحيحة وعقيدة سليمة وأنه صبر وجهاد وتضحية ومشقة، وليس لإقامة الولائم والحفلات والتنافس في الملذات والترفيهات والمظهريات.
ثانيًا: المحاسبة والمراقبة الذاتية: قبل وأثناء الإنفاق والاستهلاك، والتفكر والتدبر في النتائج المترتبة على الإسراف والتبذير والترف والمظهرية.. فمن شق عليه الحساب في الدنيا سهل عليه في الآخرة.
وفي هذا الشأن يقول عمر بن الخطاب: “حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم وتهيأوا للعرض الأكبر”.كما يجب على المسلم أن يتذكر الفقراء والمساكين والمجاهدين والوقوف أمام الله للمحاسبة الأخروية ليس في رمضان بل في كل الأوقات.
ثالثاً: الاقتداء والتأسي بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده في سلوكهم ونفقاتهم في شهر رمضان ولا سيما من حيث الاقتصاد، ويتذكر حديث رسـول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: “ما ملأ آدم وعاء شرًا من بطنه، حسب ابن آدم لقيمات يقمن بها صلبه، فإن كان فاعلاً لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه”.