كلمة النائب الدكتور أحمد الطيبي ــ مستشار الرئيس الراحل ياسر عرفات ــ ورئيس الحركة العربية للتغيير، في الذكرى التاسعة لاستشهاد الرئيس ياسر عرفات
سنوات تسع أزاحك فيها الموت ولم يغيبك.. ويُفتح جرحنا النازف في قلوبنا في ذكرى رحيلك من جديد .. رحيل وعدتنا أن يكون استشهاداً في سبيل فلسطين، يا سيد فلسطين، وهكذا كان .. ورغم مضي كل هذه الأعوام ما زال استشهادك يحير العالم والعلماء ولجنة تحقيق عازمة على إثبات أن يداً غادرة آثمة مجرمة هي التي قتلتك.. ومتهمون يحاولون التنصّل من المسئولية عن جريمة قتلك وقتل شعب وحلم ووطن .. ولكن لا تأسفن على غدر الزمان لطالما…رقصت على جثث الأسود كلاب.
اذكر ذلك اللقاء الأول في تونس حين مددت يدك لتتناول رغيفا من تحت كنبتك البالية لتقتسمه معي.. هكذا أنت عظيما وبسيطا, رمزا وابا, زعيما ومقاتلا, لينا وصلبا, غاضبا ومعانقا, قائدا ومرافقا وكنت سيدا وخادما.. كنت كل ذلك وكنت قبل كل ذلك ‘السيد فلسطين’.
لا أستطيع أن أملأ ثقوب الذاكرة بالكلمات.. ولا أتجاوز الجراح .. لم تبكك عيوننا بل قلوبنا.. كان يوم رحيلك يوم أبكيت فيه السماء قبل الأرض.. وأبكيت الرجال قبل النساء والأطفال.. ودّعك الشجر والحجر.. كنت غضباً .. مسيرة وحلماً.
أشعلت بشعبك ناراً مؤجّجة تاريخاً ونضالاً.. بنيت فيه حلماً.. تحرسه الأمهات حارسات حلمك المقدس.. كسرت القيد وبددت الظلام ولعنت القهر وثرت على الظلم وتحديت الخوف..إنك عاصفة.. واشتقت منك العاصفة. كوفيتك وسام للثوار.. شعار لكل الأحرار..يا ختيار الثوار !
كم انحنى الموت أمامك.. والقذائف تنهمر بين ذراعيك وبين إصبعيك اللتين تشيران إلى النصر. ولا تنفجر حياءً من قوة أحلامك.. وها هما هاتان الاصبعان تخرجان من تحت التراب في إشارة نصر بوجه الظالمين لانبثاق الحقيقة التي أبت أن تبقى مدفونة ، وصرخت صرخة مدوية بأنك لا تُقهر حتى وأنت شهيد .. وستخرج الحقيقة الى النور لا محالة وسيدفع الطاغية الذي قتلك الثمن .. عندئذ ستثبت مجدداً أنه يموت الطاغية وينتهي حكمه ويموت الشهيد ويبدأ حكمه .. وفي حين تبكي شعوب لكي تتخلص من حكامها .. تبكي فلسطين دما لغياب زعيمها.
أبا عمار: في الضفة المحتلة يتنامى نظام الابارتهايد ويتكرس، وعندنا في الداخل تنمو العنصرية وترفع الفاشية رأسها. في كل اسبوع قانون اسود او اكثر. يضيقون علينا سياقات الحياة في الارض والمسكن في الرواية والهوية..
أبا عمار ما أحوجنا إليك في ظل الانقسام والتشرذم واليأس والاقتتال. طال ارتفاع الجدار وتوحشت حواجزهم بل زادت فاشيتهم.
قضية شعبنا تمر في اسوأ حالاتها، بل ان فكرة الدولتين تترنح انها آيلة للسقوط.
وما زال شجر الزيتون عدوا لهم ليقتلعوه.
أبا عمار يا زيتوننا وزيزفوننا.. من دون فلسطين لن نصل إليك ولن نفهم عليك، تلك لغتك التي أتقنتها بألف لهجة ولهجة ولكنها كانت لغة واحدة، تبدأ البسملة فيها بالأقصى المبارك وينتهي الحمد لله فيها بالفدائي الأول عيسى المسيح ومعنى القيامة ‘انا فتحنا لك فتحاً مبينا’.
لن ندع الذين راهنوا على تفرق ريح هذا الشعب بغيابك يفرحون ويجعلون علامة الغياب عرساً لهم يرقصون على قبورنا، ولن نقبل بتحطيم البيت من داخله، بل ستبقى وصيتك وكوفيتك التي شرفتني بمداعبتها رمزاً لكرامة هذه الأمة وشرف هذا الشعب المتعطش للوحدة الوطنية والحرية. وكما قلت لك آنذاك ” إن سقطت هذه الكوفية سقطت كرامة العرب “..أنت يا سيد الكرامة !
ابا عمار..
ناديتك.. قم يا ياسر.. قم من نومك المؤقت.. قم معي يا طائر الفينيق… وأقولها لك للمرة التاسعة ألا تسمعني.. أم أنك غاضب منا..
اتأذن لي ثانية أن أطلب بأن أحملك بين يدي وأعتذر لروحي لأنها أيقظتك من زمنك الأبيض.. تأتي معي إلى الحلم ترى شوارعاً تعرفك، حارات وأطفالاً وخطوات وأشجاراً وأصدقاء وناسا.. ومخيماً ومعتقلات. فبأي نبض أزرع الوردة في مقامك الأسمى.. كل ما في المدينة من حزن ومن فوضى ومن موت واحتراب.. قم لنطرد الجراد عن المكان.. هنا وهناك.. اخرج معي إلى هذا الليل الطويل.. فالموت لا يدفن الحقوق وإن السلام غناء. ولن تسقط راية الفارس التي حملتها..
ما زلت أحبك رغماً عن غيابك .. .. أو قل أكثر بعد غيابك ..
ما زلت اليوم حلماً.. وما زلت الحاضر غداً ..
يا سيد الرجال . يا سيد الوفاء.
أيها الفارس الذي ترجل
يا أيها الريح التي حركت الجبل..
موضوع حلو من شخص كبير
رائع جداً
حلو
أكثر من رائع