يواجه الكثيرون في وقتنا الحاضر مشكلة عدم القدرة على تحقيق التوازن بين الحياة العملية والشخصية, حيث أصبحت أعباء العمل تلاحق الموظف بعد انتهاء أوقات العمل وخلال العطلات الأسبوعية والإجازات أيضاً. ولكن بإتباع بعض الأفكار يمكن للموظف تحقيق التوازن المنشود بين وظيفته وأسرته.
وأوضح اختصاصي طب النفس الألماني كارل كوبوفيتش أن ملاحقة متطلبات العمل للموظف خلال أوقات فراغه تترتب عليها أضرار لا تقتصر فقط على عدم شعوره بالراحة والاسترخاء، والذي يظهر مثلاً في عصبيته وسرعة استثارته، إنما يُمكن أن تتسبب أيضاً في إلحاق أضرار صحية به كالإصابة باضطرابات نفسية مثلاً أو جعله أكثر عُرضة للإصابة بالأمراض.
تقييم ذاتي
وأردف كوبوفيتش المنحدر من مدينة ريغنسبورغ الألمانية قائلاً: “شعور الموظف بالضغط العصبي يرتبط بشكل كبير بتقييمه الذاتي لهذا الضغط”، مؤكداً أن كل شخص مسؤول بشكل كبير عن التحكم في حالته النفسية.
ويضرب الطبيب الألماني مثالاً على ذلك بأن هناك بعض الموظفين يتعاملون مع مهام العمل التي تتطلب منهم أوقاتاً إضافية وتُعيقهم غالباً عن الاستمتاع بوقت فراغهم وراحتهم خلال المساء على أنها أمراً مروعاً, ومن ثمّ تتسبب في اضطرابهم وتنتابهم مشاعر الغضب حيال ذلك. بينما يشعر آخرون بالراحة النفسية والسعادة لتمكنهم من إنجاز المهام المسندة إليهم والتي تطلبت العمل لساعات إضافية.
ومن هنا أكدّ كوبوفيتش قائلاً: “زيادة أعباء ومتطلبات العمل لا تعني بالضرورة الوقوع تحت ضغط عصبي”، إلا أنه حذر في الوقت ذاته من أن يكون الموظف متاحاً لتلبية متطلبات العمل طوال الوقت حتى خلال العطلات والإجازات, إذ يتسبب ذلك في التعرض لمخاطر صحية حقيقية على المدى الطويل.
وأردف الطبيب الألماني أنه ربما يكون من المفيد أن يلبي الموظف متطلبات العمل من آن لآخر بشكل استثنائي، إذا ما استلزم الأمر مثلاً تلقي مكالمة هاتفية في غير أوقات العمل المعتادة من الشريك التجاري ببلد آخر في منطقة زمنية مختلفة، ولكن ليس على الدوام.
أوقات محددة
لذا شددّ كوبوفيتش على ضرورة أن يتفق الموظف مع مديره وزملائه على أوقات محددة هي فقط التي يُمكن أن يكون متاحاً خلالها للرد على الهاتف أو الرسائل البريدية خارج فترات العمل، وكذلك على الأوقات التي لا يجوز الاتصال به خلالها مطلقا، مؤكداً: “يجب تحديد مواقف الضرورة التي تستلزم الاتصال بالموظف خارج أوقات عمله بشكل استثنائي وكذلك الأوقات أو الأيام التي لن يكون الموظف متاحاً خلالها على الإطلاق”.
وإذا شعر الموظف بالاضطراب بسبب اضطراره لأن يكون متاحاً طوال الوقت لمتطلبات العمل، ينصحه الطبيب الألماني حينئذٍ بضرورة ألا يُخف هذا الشعور، مؤكداً: “ينبغي على الموظف أن يتحدث مع مديره بشكل واضح وصريح وأن يذكر أمثلة إيجابية تعود على العمل بالنفع من خلال تحديد أوقات معينة لا يُمكن الوصول إليه خلالها كأن يلفت نظره مثلاً إلى أنه يحتاج لفترات راحة حقيقية من العمل، كي يتسنى له التركيز بشكل جيد خلال العمل”.
وأردف كوبوفيتش بأنه ينبغي على الموظف أن يؤكد لمديره أيضاً أنه يقدس العمل ومتطلباته ولكن لديه في الوقت ذاته مجالات حياتية أخرى يلتزم بها أيضاً إلى جانب العمل كالتواصل مع أقاربه وأصدقائه مثلاً.
ومن هنا أشار كوبوفيتش إلى أنه ينبغي على الموظف أن يوضح لمديره أن الفترات التي لن يكون متاحاً خلالها على الإطلاق وربما يضطر لإغلاق هاتفه الجوال خلالها هي الفترات التي يُكون خلالها في زيارة عائلية مثلاً.
وكي يُظهر الموظف أنه ملتزم تجاه العمل ولا يرفض الخضوع لأعبائه ومتطلباته بشكل مطلق، ينصح الطبيب الألماني بأن يكون متاحاً بعد أوقات العمل من آن لآخر.
وللاستفادة بشكل حقيقي من أوقات الفراغ، أوصى اختصاصي الطب النفسي الموظفين بمحاولة استغلالها للشعور بالاسترخاء بشكل مقصود، بحيث يفرغوا أوقاتهم من الالتزام بأي شيء.
وأردف كوبوفيتش قائلاً: “يشعر الكثير من الموظفين أنهم يهدرون أوقات فراغهم، إذا لم يقوموا بتأدية شيء مفيد بها، ولكن ليس بالضرورة أن يعود النفع على الإنسان بتأدية شيء مفيد فقط، ولكن معايشة الموظف لأوقات فراغ حقيقية دون الالتزام بأي شيء، كأن يستلقي مثلاً على الأريكة لمدة 10 دقائق دون التفكير في أي شيء، تتمتع بفائدة كبيرة في توفير الشعور بالراحة والاسترخاء للموظف خلال وقت فراغه”.