والنضال مستمر.. بقلم النائب د. جمال زحالقة
تحت ضغط المعارضة الشديدة، اضطر الوزير السابق، بيني بيغن، إلى الاستقالة من منصب “ممثل الحكومة لتنظيم توطين البدو في النقب”، وأعلن عن سحب قانون بيغين – برافر، مشيرًا إلى أن هذا القرار هو بموافقة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. لقد انسحب بيغين، لكن السياسة التي مثّلها لم تنسحب، وربما أصبحت أكثر تطرفًا.
حتى الآن، لم تصدر الحكومة أو رئيسها موقفًا رسميًا ينفي أو يؤكد أو يوضح الموضوع. رئيسة لجنة الداخلية، اليمينية المتطرفة، ميري ريجيف، تقول إنها مستمرة في سن القانون، وإنها لم تتلق من الحكومة طلبًا رسميًا بسحبه. كذلك الأمر أعلن رئيس الطاقم التنفيذي لمشروع برافر، الجنرال المتقاعد، دورون ألموغ، بأنه ماض في عمله كالمعتاد، وبأنه لا يفعل ذلك من تلقاء نفسه.
مهما يكن من أمر فإن المؤكد أن الحكومة الإسرائيلية تعيد حساباتها بالنسبة لقانون برافر، وكيفية تطبيق مشروع برافر بالمجمل. وتشير التقارير الصحفية إلى أن المرشح لخلافة بيني بيجن هو وزير الزراعة، يئير شامير (مثلما خلف شامير الأب بيغن الأب)، وما يعيق التعيين هو أن شامير يطالب بصلاحيات واسعة. أما من ناحية القانون نفسه، فالاعتقاد السائد هو أنه لن يمر كما هو، وأن الحكومة تبحث عن البدائل، وهناك ثلاثة احتمالات لذلك: الأول، أن تجرى فيه تعديلات جوهرية، والثاني، أن يستبدل بقانون جديد، والثالث، تطبيق مشروع برافر بلا قانون خاص به.
الأرجح أن تقوم الحكومة بإجراء تغييرات في قانون برافر، أهمها فصل “توطين البدو” عن “تسوية الأراضي”. والهدف من هذا الفصل هو الاستعجال في محاصرة الوجود العربي في النقب، ووضع حد للتمدد العمراني، الذي تسميه السلطة “استيلاء على أراضي الدولة”.
وبموجب هذا التوجه، تجري عملية تجميع الناس من القرى المسلوبة الاعتراف، وعددها 35 قرية، في عدد صغير من القرى، وتقوم الدولة برسم حدودها وتمنع أي خروج عنها. في المقابل يستمر “النقاش” حول ملكية الأراضي تحت سقف القوانين الجائرة وسياسة التعويض بلا اعتراف بالحق في الأرض.
من الواضح أن المعركة لم تنته بانسحاب بيغن، وسحب أو تغيير قانونه، بل هي اليوم أشرس وأشد، إذا تتجه النية لدى الحكومة لجعل مشروع برافر، بقانون أو بلا قانون خاص، أكثر ظلمًا وإجحافًا مما كان عليه. هم لديهم نواياهم السيئة، ونحن لدينا كل النوايا الحسنة بعدم التراجع قيد أنملة عن عهدنا بالدفاع عن أرضنا وعن أهلنا وعن بيوتنا وعن قرانا في النقب الغالي.
لقد تحقق إنجاز إجبار بيغن على الاستقالة وإعلانه سحب قانونه وخربطة حسابات الدولة، بفضل وقفه أهلنا في النقب، ورفضهم الشامل والكامل لمشروع برافر وما يتفرع عنه من تهديد وإغراء، وبسبب مشاركتهم الواسعة في النضال. وكانت مظاهرات يوم الغضب الأخير، وبالأخص، مظاهرة مفرق حورة الصاخبة والعدد الكبير من المشاركين فيها من شتى مناطق النقب، ومن الشمال أيضًا، هي بمثابة القشة التي قسمت ظهر بعير بيغن، إذ فندت
ادعاءه بأن الناس في النقب تقبل بالمشروع لولا تحريض السياسيين وبالأخص، حسب قوله، التجمع الوطني الديمقراطي.
وكان للحراك الشبابي والنشاط الشبابي عمومًا دور ريادي وطلائعي في تحريك الشارع والتعبير عن الغضب الشعبي الساطع والمشروع في وجه الطامعين بسرقة أرضنا ووراثة قرانا. هذه طاقات هائلة شعبنا بأمس الحاجة لها في مواجهة ما هو آت من معارك شرسة ومخططات نهب وتهجير. وما من شك بأن الموقف الموحد لقيادة الجماهير العربية ومؤسساتنا الشعبية والأهلية في النقب والمثلث والجليل، ساهم في التصدي لقانون برافر وسد الطريق عليه. ولا بد من الإشارة إلى المساهمة الخاصة لطرح الموضوع على المستوى الدولي، مما أحرج إسرائيل وعرضها للمساءلة في هيئات دولية كثيرة.
لقد حددنا منذ أكثر من عامين بأن المعركة السياسية الرئيسة هي في النقب، دفاعًا عما تبقى لنا من أرض وذودًا عن قرانا وبيوتنا هناك، كما وشددنا على ضرورة الوحدة الوطنية الكفاحية، وحددنا بأن لا خيار سوى الانتصار، فنحن لا نناضل للاحتجاج فقط، وإنما لتحقيق هدف إفشال مشروع نهب الأرض وتهجير الناس في النقب. كما وأكدنا بوضوح أن نضالنا هو نضال سلمي، ونحن لا نستعمل العنف بل نحن ضحايا العنف، وأول العنف وأقسى أنواعه، في هذا السياق، هو احتلال الأرض ونهبها وهدم البيوت والقرى وتهجير الناس. لكن نضال اللاعنف يشمل أيضًا أدوات قوية وفعالة مثل العصيان بأشكاله المختلفة، ومثل إغلاق الشوارع وشلّ حركة السير، ومثل العمل على تفعيل ضغط دولي على إسرائيل لتتراجع عن مشاريع المصادرة والترانسفير في النقب.
لقد سقط قانون بيغين – برافر، ومهما كان البديل فالمعركة مستمرة، ونحن لها بكل الشجاعة التي نملك وبكل الحكمة التي لدينا في إدارة المعارك. نحن لها بحكمة الشجعان وشجاعة الحكماء.