لا تزال ظاهرة الزواج المبكر تلاقي قبولا لدى شرائح عريضة من مجتمعنا العربي في البلاد، ذلك رغم الإنجازات التي حققتها المرأة على مستويات عدة، اذ نلاحظ ارتفاع مستمر لنسبة الفتيات الملتحقات بالمعاهد العليا لنيل الشهادات، كما وطرأ تغيير في شرعية خروج المرأة الى ميدان العمل، وتمثيلها في الحيز العام مقارنة بالعقود السابقة.
يرجع استمرارية هذه الظاهرة وقبولها اجتماعيا، بالدرجة الأولى الى مفهوم “السترة” المرتبط عادة بزواج الفتاة، فالتعامل مع الفتاة يكون حسب القيم الابوية التي ترى بدور “الزوجة والام” الدور الاساسي للمرأة، الذي من خلاله يصان عرضها وتحفظ سمعتها ومستقبلها.
ورغم اطلاق حملات توعوية شتى حول النتائج السلبية للزواج المبكر، والمأسي التي قد تنجم عن هذا الزواج، لا يزال “الزواج المبكر” ضربا من ضروب الاكراه، وتضطر المرأة الى تحمل وزره عبرالتاريخ، سواء كانت جاهزة لهذه المهمة او لم تكن جاهزة بعد.
المواثيق الدولية تُعرف الطفل بكل من هو دون سن الثامنة عشرة
ولقد ارتات منظمات المجتمع المدني اعتماد مصطلح “تزويج الاطفال” عوضا عن “الزواج المبكر” المتداول لوصف المشكلة.
فهو “تزويج” وليس “زواج”، لانه يفتقد إلى عنصر الارادة، لانه غالبا ما يتم التأثير على الفتاة او الفتى للقبول بفكرة الزواج من طرف ثالث بوسائل اقناع مختلفة، وحتى في حال تم اقتناع الفتاة او الفتى، فمن الصعب التحدث عن ارادة، ذلك لفقدان القدرة على اتخاذ القرارات لعدم اكتمال البلوغ النّفسي والعاطفي والاجتماعي. من جهة اخرى يعتبر تزويج “لاطفال”، ذلك لان المواثيق الدولية تعرف الطفل بكل من هو دون سن الثامنة عشرة.
وتبين المعطيات الاحصائية ان المشكلة هي في الغالب مشكلة الفتيات وليس الفتيان ومن هنا نرى وجوب طرح هذا التقرير، ذلك لان ظاهرة “تزويج الاطفال” تعكس مشكلة تنشئة المجتمعات واعداد الاجيال التي ستتحمل ادارة وقيادة المجتمع مستقبلا، نتيجة افتقار البنت الى التعلم والثقافة والتجربة والوعي.
الاسرة هي البذرة الاساسية لبناء المجتمع وهي النموذج الاصغر عنه، يصلح بصلاحها ويفسد بفسادها.
الدور الانجابي هو الدور الرئيسي بالنسبة للغالبية العظمى من النساء في الدول النامية ، ويهيئ المجتمع البنت منذ الصغر لتقبل هذا الدور اذ يعدها لهذا الدور، مرسخا فيها قناعتها بان الاهتمام بالاسرة والاطفال هو الدور المعول عليه لتكسب الاحترام ويعترف بكيانها. ورغم اهمية هذا الدور، الا ان الاعداد له لا يتم بالطريقة المناسبة، لان القيام بهذا الدور بالطرق الصحيحة يتطلب قدرا كبيرا من التعلم والثقافة والتجربة والوعي والاطلاع الواسع على أمور الحياة. لكن للاسف يتم التركيز فقط على الزواج وامكانية الانجاب وعدد الابناء والبنات دون الاهتمام بالوسيلة لاداء هذا الادور بالصورة الامثل.
اضفافة الى ذلك، ازمات جيل المراهقة واعتماد العائلة الزواج كحل لها، وكذلك هروب الفتيات من الضغوط العائلية الى الزواج معتقدات ، لعدم نضوجهن، انه السبيل للترفيه والحرية والحصول على حيز شخصي لا يحصلن عليه في البيت.
سن الزواج بين الدين والقانون
من الناحية الدينية، يختلف سن الزواج بناء على القوانين والأعراف الدينية لكل طائفة من الطوائف، فعلى سبيل المثال، طلب الإسلام توفر البلوغ للطرفين دون أن يحدد سنا أدنى للزواج.
لقد جاء على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء). وكلمة “وجاء” تعني خصي وإخصاء، بمعنى أن كثرة الصوم قد تنقص من فحولة الرجل وتقلل من شهوته الجنسية، وعليه فقد شجع الكتاب والسنة على الإقبال على الزواج بصفة عامة، ولم يحدد سنا معينة لذلك، إلا أنه اعتبر الشرط في صحته العقل والبلوغ وأن يكون هناك تكافؤ بين الطرفين (الزوج والزوجة)، مصداقا لقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه).
وقد جعل الله تعالى الزواج يستند على البلوغ لقوله تعالى:{وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}، النور: 59. وبالتالي فإن المشرع الإسلامي لم يشجع على الزواج المبكر أو الزواج قبل البلوغ وهو ما يعرف بزواج الأطفال، وطالما أن المعني بالأمر زوجا أو زوجة لم يبلغ أشده فهو ما يزال طفلا أو طفلة في نظر الشرع.
القانون الإسرائيلي حدد سن الأهلية القانونية للزواج لكل المواطنين، دون أي إعتبار لإنتمائهم الديني، سن 18 عاما كحد أدنى لابرام عقد الزواج
ورغم ان الطوائف في البلاد، حددت بشكل مختلف السن الادنى للزواج، إلا ان القانون الاسرائيلي قد جاء وحدد سن الاهلية القانونية للزواج لكل المواطنين، دون اي اعتبار لإنتمائهم الديني. وفقا لذلك فقد تحدد سن 18 عاما كحد ادنى لإبرام عقد الزواج، على أن لا يجري تزويج من هم دون ال-18 الا باذن خاص من المحكمة. وكذلك حدد القانون عقوبة السجن لمدة سنتين او دفع غرامة بحق كل من الزوج، الماذون والوصي الذين ساهموا في خرق القانون، وهنالك امكانية لحل عقد الزواج ولكن بشروط.
وهنا تجدر الاشارة الى انه حسب القانون، الفتاة التي اتمت الثامنة عشرة من عمرها هي “راشدة” كفاية لتتزوج ولكنها لا تعتبر كذلك، للتصرف باملاكها وتحتاج الى وصي بموجب قانون الأهلية القانونية والوصاية لعام 1962 ، والذي يحدد جيل الاهلية القانونية بثمانية عشر عاما.
سلبيات تزويج الأطفال صحيا واجتماعيا
تزويج الاطفال في سن المراهقة يساهم بشكل كبير باستمرار تراجع مكانة المراة، لما له من تاثيرات على مختلف المجالات. اذ ان الزواج المبكر قد يحد واحيانا يمنع الفتاة من اكمال تعليمها الذي هو سلاحها الاول للاستقلال والنضوج، اضافة الى العواقب الصحية الخطيرة قد تنجم عن الزواج المبكر نتيجة الحمل والانجاب في جيل مبكر منها عدم اكتمال الغدة المسؤولة عن الطول، زيادة خطر التعرض للاجهاض المتكرر وتسمم الحمل، عدم اكتمال نمو الحوض وبالتالي التعرض لمخاطر الولادة القيصرية، الترهل المبكر للجسم والهرم المبكر. بالاضافة الى الانعكاسات الصحية على الجنين والرضيع لام لم يكتمل نموها الجسدي والعاطفي والنفسي والاجتماعي بعد. كما وان تزويج الطفلات يزيد من احتمالات تعرضهن لحالات نفسية صعبة ناجمة عن ضغوط الحياة الزوجية والمسؤوليات الجمة التي تلقى على عاتقها دونما اعتبار لصغر سنها وقلة خبرتها وبالتالي الصعوبة في التعاطي مع الازمات.
نظرا لابعاد هذه المشكلة التي تناولها التقرير، وحجمها نرى وجوب العمل على الحد من هذه المشكلة والعمل على البحث في مسبباتها والحد منها، ذلك عن طريق التوعية لمسبباتها وابعادها.
شاركت عدة شخصيات من مدينة الطيبة في الاجابة على السؤال الذي هذا طرحه موقع “الطيبة نت” خلال هذا التقرير وهو:
تحت عنوان “الزواج المبكر ظاهرة تسهم بجهلنة المجتمع!”، يجري موقع “الطيبة نت” تقريرا. ما هو رايكم حول ظاهرة الزواج المبكر؟
المحامي توفيق طيبي:
” الزواج المبكر ظاهره غير مرغوبة اجتماعيا وهي شكل من اشكال الوأد الاجتماعي، الزواج المبكر يكبت تطور شخصية الفتاة وبالتالي يكبت تطور المجتمع، الزواج المبكر هو احد اسباب عدم استقرار الاسره والطلاق والتربيه الغير سليمه لأبنائنا”.
المربية سوسن ناشف:
” أعتبر جيل 18 الزواج فيه مبكر إلا إذا ظروف البنت صعبة وظروف أهلها صعبة وهي موافقة وغير مكرهة، شو يعني صعبة ؟! يعني أبوها “حشاش” أو إخوتها “منحرفين” وإمها تاركتها تربي إخوتها الصغار أفضل تتزوج وتربي اولادها على شرط تكون حكيمة ولا تتزوج شبيها لأبيها ولإخوتها!، مبدئيا وحسب رأيي الفتاة تتزوج بعد العشرين والشاب ليس أكثر من ابن سبعة وعشرين حتى يربوا أولادهم وهم يتمتعون بالصحة والقوة وحتى يكبر الأولاد ووالديهم ما زالوا شبابا ليتحولوا إلى أصدقاء يتمتعون بحياتهم العائلية معا وهم متقاربين في السن، أنا ضد الزواج المتأخر حتى لا تتكون فجوة عمرية بين الوالدين والأبناء ، وحتى لا يكبر الأولاد على والدين شيخين مريضين متعبين فيتحولوا هم المسؤولين عن أبويهم وتنعكس الآية فتقد الحياة بعضا من بريقها وجمالها، يجب أن تتزوج الفتاة وهي تحمل شهادة لعمل يضمن مستقبلها لأن ظروف الحياة تتغير ولا نعرف ماذا يخبئ القدر لها من زوجها أو من موت وحياة”.
السيد ياسر ناشف:
“صحيح ان الزواج سنه من سنن الحياة واستمراريتها الا ان استخدام الزواج بطرق متخلفة ورجعية يحمل مخاطر ومفاسد جمة,,ومن جملة الزواج الخاطى هو الزواج المبكر وهو ما يتفشى غالبا في المجتمعات المجهّلة والجاهلة او الفقيرة. فيكون تزويج الاهل لابتتهم وكانه بمثابه التخلص من عبء المصاريف او ان همّ البنات للمات كما يقولون,,,وهذه بدوره يحرم الفتاة من مرحلة انتقالها بين فترتي الصغر والنضوج وبالتالي ينعكس لاحقا على علاقتها بالزوج مما يؤدي الى مشاكل غالبا ما تكون نهايتها الطلاق وهدم اسرة وحياة مشتركة كانت. ومن جانب اخر هناك زواج مبكر بناء على رغبة الازواج وتحت ضغط يقع عليه الاهل بحجة الحب وان الحب يصنع المستحيل والحياة وغالبا هؤلاء الازواج لا يعرفون عن الحب الا العلاقة الجنسية وهم جهلة بباقي الامور وتناسوا ونسيوا ان الزواج هو عبارة عن بناء للمجتمع لاحقا وان كل منهم عليه واجب ومسؤولية عليهم القيام بها. فغالبتهم يظنون الزواج رحلات وجلسات في المطاعم وتسوق في المجمعات التجارية ولكن بعد فترة تحدث النزاعات بسبب التقصير هنا وهناك ودخولهم بديون وتحت طائل المطالبات من المدينين. الزواج هو حياة وبناء صرح له معاني كثيرة ومرتكز على اسس وقواعد وطباع وسلوكيات فان فقدت هذه الاشياء سرعان ما يخرّ وينهار”.
المربية احلام عوض:
“انتشرت هذه الظاهرة في مجتمعنا اليوم بشكل كبير، وكثيرا ما نسمع ونرى بان الشاب الفلاني تزوج فتاة صغيرةالسن !، الزواج المبكر في الوسط العربي مثير للقلق، لا اعرف ما سبب تواجد هذه الظاهرة ..هل هو خوف من العنوسة ام ماذا ؟!
ان اتينا من بابالدين فالدين لم يمنع الزواج المبكر لكن الزمن تغير ففي الزمن الماضي كانت الفتاة رغم صغر سنها لكنها ناضجة و واعية وخصوصاً في زمن الرسول محمد صل الله عليه وآله كانت الفتاة صغيرة لكنها مجتهدة وناجحة تعرف واجبها كزوجة وأم وبامكانها ان تدير منزل وتكون عائلة ناجحة، لكن في عصرنا الحالي تبدل الأمر ففتاة الـ السادسه والسابعة عشر لا تزال طفلة طائشة، تمر بمرحلة المراهقة لم تتخذ دروساً من الحياة لا تعرف مصلحتها ومستقبلها جيداً
لا تزال بحاجة الى التربية والتعليم ولا يزال الطريق امامها طويلاً عليها اولاً ان تدرس وتكمل تعليمها وتحصل على شهادتها لان الشهادة هي سلاح للفتاة تواجه به مستقبلها لانها لا تعلم ما يخبأه لها الزمن وبهذا الوقت تكون قد نضجت وتوعت واستعدت للزواج واكمال نصف دينها وتكون زوجة وأم متعلمة راضية على نفسها لا تحس بالنقص او الندم او انها تركت شيء وراءها لم تكمله وتتحسر عليه مثل التعليم وبامكانها ايضاً ان تربي طفلها جيداً فأرى كثير من امهات الـسابع والثامنة عشر تتعامل مع طفلها وكانه لعبة او دمية بين يديها فاقول للآباء الذين يزوجون بناتهم…بالله عليكم اتركوهن حتى يحين الوقت المناسب”.
المربي حسين جبارة:
” الظاهرة مرفوضة وغير مستحبة لاكثر من سبب منها الثقافي التعليمي والاجتماعي السلوكي والمهني الاقتصادي والنفسي ،وكذلك البعد الاداري في تسيير امور الحياة ، في العصر الحديث نعيش فكرة تاجيل الانخراط المجتمعي لتمكين الشباب من اكمال مسيرتهم التعليمية ثم اكمال جاهزيتهم لاكتساب مهنة معاش معاصرة ، وهنالك حاجة لاكساب الجيل الناشئ مهارات حياتية واجتماعية. عدم البعد عن جيل المراهقة يجعل الناشئة متعلقة بالاهل ومعتمدة عليها في اتخاذ القرارات وفض الخصومات، ان عدم اكتساب تجارب حياتية تضطر الشباب الى اثخاذ اختيارات غير موفقة في اختيار شريك او شريكة الحياة.”.
السيدة درية ابو عيطة:
“تنتشر في المجتمع العربي في إسرائيل ظاهرة الزواج المبكر وخاصة لدى الفتيات , فقسم كبير من الفتيات يتزوجن مباشرة بعد الثانوية وحتى أنه أحيانا وفي حالات شاذة قد يتم ذلك في المرحلة الثانوية . هذا الزواج يتم تتويجا لفترة الخطوبة التي تتم أثناء المرحلة الثانوية .
لهذه الظاهرة توجد أبعاد كثيرة على المجتمع العربي وعلى تطوره ومستقبله . فقسم كبير من الفتيات يدخل طور الأمومة وما زال غير ناضج اجتماعيا وفكريا واقتصاديا . هؤلاء الفتيات غالبا لا يتطورن ولا يتقدمن من الناحية المهنية أو الاكاديميه . لهذا الشيء يوجد عوارض سلبيه كثيرة على طبيعة الأسر المستقبلية ودورها في بناء مجتمع أفضل حيث يعتمدن النساء كلية على الرجل في دعم الأسرة مما قد يفقد للمرأة أيضا مكانتها واستقلالها وعدم نيلها حقوقها المشروعة.
هذه الظاهرة لها مردود سلبي على مجتمعنا . بالإضافة الى ذلك , فأن في الأمر بعد قانوني لا يلتفت إليه البعض وهو حصول الخطبة قبل الحد القانوني المسموح به .
إننا نعيش في عصر العلم والوعي وأصبحنا ندرك تماماً مخاطر الزواج المبكر جداً وأثره على الزوجين والأهل كما أن ظروف الحياة اختلفت عما كانت عليه في السابق وأصبح مطلوباً من الزوجة إدارة البيت والقيام بجميع أعماله فلا بد من أن تكون قد تجاوزت الثامنة عشر من عمرها على الأقل حتى تتقن هذه الأعمال ناهيك عن تربيه الاولاد وتعليمهم – ومجمل القول بيت الشعر القائل الام مدرسه اذا اعددتها اعددتشعبا طيب الاعراف فتعليم الفتاه اهم من تزويجها”.